وسؤال بعضهم من بعضٍ مبنيٌّ على هذا الاختيار، فكما قامت حجَّة الله تعالى على البشر بهذا الاختيار الثابت بالفطرة والبديهة وإن أعيا العقلاء بيانُ عدم مناقضته للقَدَر، فكذلك قَبِلَ سبحانه اعتذارهم بهذا الاختيار عن سؤال بعضهم من بعضٍ ما يدخل تحت قدرتهم العاديَّة، فلم يجعل ذلك كفرًا به وإن حرَّم بعضه. وهذا المعنى لا يأتي في سؤال الملائكة.
ومن الفرق أيضًا: أنَّ الناس بطبيعتهم معتمدون على ما عرفوه وألِفوه من قدرة البشر على نفع بعضهم بعضًا في دائرة قدرتهم، والعادة تُكرههم على هذا الاعتماد، حتى إنك ترى إجابة البشر للسائل أقرب فيما ترى العين من إجابة الله عزَّ وجلَّ لداعيه. وهذا المعنى لا يأتي في الملائكة، بل الأمر بالعكس؛ فإنَّ العاقل إذا أمعن النظر وبحث وتدبَّر عَلِمَ كثرةَ إجابة الله تعالى دعاء مَن يدعوه، ولم ير مثل ذلك في دعاء الملائكة؛ ولهذا كان المشركون أنفسهم يقتصرون في الشدائد على دعاء الله عزَّ وجلَّ.
ومن الفرق أيضًا:[٥٣٤] أنَّ السؤال من الإنسان الحاضر ما يقدر عليه عادةً ليس فيه ادِّعاء أنَّه يعلم الغيب، ولا يلزمه الخضوع القلبيُّ، ولا يمكن أن يعمَّ جميع الحوائج فيؤدِّي إلى الإعراض عن الله تعالى، ولا يكاد يؤدِّي إلى تعظيمه كتعظيم الله عزَّ وجلَّ، بخلاف السؤال من الملائكة في ذلك كلِّه.
ومن الفرق في خاصَّة سؤال الدعاء: أنَّ سؤال الدعاء من الأنبياء والصالحين قد تحصل به مصلحةٌ، كأن يخبر المسؤولُ السائلَ أنَّ الأمر الذي يطلبه لا يحلُّ له، أو لا خير له فيه، أو نحو ذلك. وهذا أيضًا لا يأتي في الملائكة.
ومنه أيضًا: أن الناس كالمفطورين على الخضوع والتذلُّل لمن يسألون