منه، فإن كان بشرًا غير معتقَدٍ فيه الخير فإنَّ أكثر الناس ينفرون بطباعهم عن الخضوع والتذلُّل له، وإن كان نبيًّا حيًّا حاضرًا فإنه لا يُقِرُّهم على ما لا يجوز، والصالحُ يظَنُّ به نحو ذلك. ونحن نرى الناس يأتون إلى مَن يُظَنُّ به الصلاح [٥٣٥] فيبادرون إلى تعظيمه بما شاءت لهم أنفسهم، وقد يُصِرُّون على عمل ذلك مع مَنْع ذلك الصالح لهم ونهيه إياهم وتأذِّيه بفعلهم. فأمَّا السؤال من الملائكة لو أُبِيح فليس هناك ما يردع الناس عن التغالي في تعظيمهم حتى يسوُّوهم بالله عزَّ وجلَّ أو يزيدوا.
ومنها: أنَّ سؤال الدعاء من الصالح لا يؤدِّي غالبًا إلى أكثر من زَعْمِ أنه مستجاب الدعوة، وإن كان قد يجرُّ أحيانًا إلى أزيد من ذلك, كما تراه في زعم بعض المريدين أنَّ شيخهم نافذ الحكم فيما أراد، وأنه قد أعطاه الله عزَّ وجلَّ كلمة (كن)؛ فكلُّ ما أراد أن يكون كان، وكلُّ ما أراد ألَّا يكون لا يكون. ولهذا كره السلف سؤال الدعاء من الإنسان الحيِّ أيضًا, كما مرَّ عن عمر وسعدٍ وحذيفة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم (١)، ولكنَّ كثيرًا ما يمنع عن هذا الغلوِّ منعُ الشيخ منه أو زجره عنه. فأمَّا السؤال من الملائكة فإنه يسوق إلى اعتقاد أنهم يتصرَّفون في الكون باختيارهم، ولا يتأتَّى منهم النهيُ عن الغلوِّ. وقد وقع قريبٌ من ذلك في شأن أرواح الموتى، والله المستعان.
[٥٣٦] فإن قيل: كيف يكون السؤال من الملائكة دعاءً لهم وعبادةً، وقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يسألون جبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام؟
قلتُ: ليس هذا من ذاك؛ فإن الأنبياء عليهم السلام إنما يسألون جبريل