للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريد مجاهدٌ ــ والله أعلم ــ: أن المراد بالمقتصد الذي لا يستغيث بغير الله تعالى في قوله، ولكنه كافرٌ في اعتقاده وعمله.

وهذا مع ما تقدَّم من تفسيرهم {الدِّينَ} في الآيات بالدعاء يدلُّك أن المراد بإخلاصهم الدين إنما هو إخلاص الدعاء وحده، فأمَّا الاعتقاد فهو باقٍ حتى في البحر؛ لأنه لم يَعْرِضْ له ما يزيله، وإنما عرض لهم من الشدَّة ما اضطرَّهم إلى الاقتصار على دعاء الله عزَّ وجلَّ؛ لأنهم واثقون بأنَّ دعاء الله تعالى ينفع، ومرتابون في دعاء غيره، والإنسان عند الشدَّة إنما يفزع إلى أوثق الأسباب عنده ولا يتشاغل بما دونها.

قال الشاعر (١):

وإذا نَبَا بك والحوادِثُ جَمَّةٌ ... زمنٌ حَدَاكَ إِلَى أَخِيكَ الأَوْثَق

والآيات القرآنيَّة في شأن الدعاء كثيرةٌ، وفيما ذكرناه كفايةٌ إن شاء الله تعالى.

[٥٠٦] أحكام الطلب، ومتى يكون دعاءً

لقائلٍ أن يقول: قد علمنا أن السؤال من الله تعالى والرغبة إليه يُسمَّى دعاءً، وأنه عبادةٌ، وأن القرآن قد أثبت أن المشركين يدعون آلهتهم من دون


(١) هو القطامي التغلبي. والبيت في ديوانه (٢٥٧) تحقيق محمود الربيعي, (١١١) تحقيق إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب. ورواية الديوان ومعظم المصادر التي وقفتُ عليها هكذا:
وإذا أصابك والحوادث جمَّةٌ ... حدثٌ حداك إلى أخيك الأوثق
وفي بعضها: «يصيبك»، وفي بعضها: «ينوبك».