الأوَّل: ما ثبت بالعادة القطعيَّة المبنيَّة على الحسِّ والمشاهدة، كتأثير الآدميين الأحياء وغيرهم من الحيوان [٦٩٢] إلى الحدِّ المحدود المعروف، وتأثير الشمس للحرارة واليبوسة وتأثير الأدوية في الصحة والمرض ونحو ذلك، فلا يكفر إلا مَنْ يُخْرجها من خلق الله تعالى أصلًا. فأما من يقول: إن الله تعالى أودع في النار قُوَّة الإحراق مثلًا فهي تؤثِّر بذلك إلا أن يشاء الله عزَّ وجلَّ سَلْبَها قوَّةَ الإحراق فيسلبها فلا يكفر هذا وإن خطَّأه كثير من العلماء (١). ويدخل في هذا ما لم يكن قطعيًّا ولكنه مستند إلى قطعيٍّ، كما سلف في التمهيد.
الضرب الثاني: ما لم يثبت بالعادة القطعيّة المبنيَّة على الحسِّ والمشاهدة، فإن بلغ اعتقاد التأثير إلى زعم أن ذلك المؤثِّر مدبِّرٌ استقلالًا، وقد مرَّ تفسيره، فهو شرك. وإن لم يبلغ ذلك؛ فإن كان في ذلك الاعتقاد تكذيب لله عزَّ وجلَّ أو كذب عليه فهو كفر وشرك، وإلا فهو من الخرص المذموم.
هذا حكم الاعتقاد، فأما إن صحبه خضوع أو طاعة فقد مرّ حكم ذلك.
(١) يشير الشيخ إلى علماء الأشاعرة، فهم الذين يخطئون هذا القول ويبدِّعون قائله كما قال قائلهم: «ومن يقل بالقوة المودَعة ... فذاك بدعي فلا تلتفت». انظر: شرح الخريدة البهية للدردير ١٦٥. وأهل السنة يقولون: إن النار تحرق والسيف يقطع والخبز يشبع، وكلها أسباب مؤثرة إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، وليست مبدعة، وليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إلا الله وحده. وخالق السبب التام خالق للمسبَّب لا محالة. منهاج السنة ٣/ ١٢ - ١٣، اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٢٢٦، التدمرية ٢١١.