للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فطريق البحث أن ننظر فيما كان هؤلاء الأقوام يعتقدونه في تلك الأشياء وما كانوا يعظِّمونها به؛ فإذا تبين لنا ذلك علمنا أن ذلك الاعتقاد والتعظيم هو التأليه والعبادة.

فأقول: أما قوم نوح عليه السلام ففي "روح المعاني": "أخرج البخاريّ (١) وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح عليه السلام في العرب بعدُ، أمَّا وَدٌّ فكانت [س ٥٥/أ] لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمْدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، وكانت هذه الأسماء أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إليهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ودَرَس العلمُ عُبِدَتْ.

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: كان لآدم عليه السلام خمسة بنين: ودّ وسواع ... إلخ، فكانوا عبّادًا، فمات رجل منهم فحزنوا عليه حزنًا شديدًا فجاءهم الشيطان فقال: حزنتم على صاحبكم هذا؟ قالوا: نعم، قال: هل لكم أن أُصوِّر لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه؟ قالوا: نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئًا نصلي إليه (٢)، قال: فأجعله في مؤخر المسجد, قالوا: نعم، فصوَّره لهم، حتى مات خمستهم فصوَّر


(١) صحيح البخاريِّ، كتاب التفسير، سورة نوحٍ، باب: "ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق"، ٦/ ١٦٠، ح ٤٩٢٠.
(٢) في الأصل: عليه، والتصويب من العظمة ٥/ ١٥٩٠ والدرّ المنثور ٨/ ٢٩٤.