للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ما يتعلق باعتقاد قوم نوح، وخلاصته: أنهم اعتقدوا أن تعظيم تماثيل الرجال الصالحين دين يقرِّب إلى الله عزَّ وجلَّ، فأما ما كانوا يعملون فلم أجد فيه نصًّا. والله أعلم.

وأما قوم هود وقوم صالح فقد قال الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت: ١٣ - ١٤]، فقوله: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} ظاهره أنهم كانوا يعبدون الله في الجملة ولكنهم يشركون به، وابتداء الرسل بهذا يدلّ أن المرسَل إليهم لم يكونوا يجحدون وجود الله عزَّ وجلَّ، بل قولهم: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً} [س ٥١/ب] نصٌّ في أنهم كانوا يعترفون بربوبية الله عزَّ وجلَّ وأنه لا رب غيره، ويعترفون بوجود الملائكة عليهم السلام، وفي القصص التاريخية ما يوافق هذا المعنى.

وقال الله تعالى: {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود: ٥٣ - ٥٤].

ففي هذا أنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم القدرة على الضرر ويلحق به النفع، وهو بقرينة ما تقدَّم يدلُّ أنهم يعتقدون لتلك الآلهة قدرة منحها الله عزَّ وجلَّ إيَّاها، فهي تتصرَّف فيها بحسب إرادتها كما يتصرَّف الإنسان بالقدرة التي مُنِحها بحسب إرادته (١).


(١) هنا كلمات نحو ثلاثة أسطر مضروب عليها، هي: " الوجه الثاني: أنهم لا يعتقدون لها قدرة على النفع والضر مباشرة، ولكن إذا حقرها أحدٌ سألت الله عزَّ وجلَّ أن يعتريه بسوء فيعتريه به، فنسب الاعتراء إليها مجازًا، والأول هو الظاهر" وبقي سطر آخر لم يضرب عليه، وهو: "والثاني هو المتعيِّن لما مرّ من قولهم: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً} ". ولا وجه لبقائه مع حذف الوجه الثاني كلِّه.