[٣٧٢] فأما فرعون فأخَّرنا البحث في شأنه إلى البحث في شرك أسلافه من المصريِّين، وسيرد ذلك في الكلام على تأليه الأشخاص المتخيَّلة إن شاء الله تعالى.
وأما الذي حاجَّ إبراهيم في ربه فالمشهور أنه من قومه، وأنه كان ملِكَهم, وقوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام والكواكب والروحانيين ويعترفون بوجود الله تعالى وربوبيته على ما مرَّ، وسيأتي بسطه في الكلام على عبادة الكواكب إن شاء الله.
ومن البعيد أن يكون الملك يدَّعي الربوبية العظمى، أو أنه لا إله لرعيته إلا هو، ويكون رعيته كما سمعت.
فأما قوله:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} فليس بنصٍّ في دعوى الإحياء والإماتة مطلقًا، بل يحتمل أنه إنما ادَّعى الإحياء الذي هو تخلية مَن يستحقُّ القتل والإماتة التي هي القتل، ويعيِّن هذا الاحتمال أمور:
الأول: ما سمعت من ديانة قومه.
الثاني: قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}، فقوله:{أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} بيان لعلَّة محاجته لإبراهيم، والمُلْك إنما يكون علَّةً [٣٧٣] لدعوى القدرة على تركه قتلَ مَن استحقَّ القتل وقتلِه مَن أراد قتلَه.
الثالث: ما ورد في الآثار أنه برهن على دعواه بأنْ دعا رجلًا فقتله، ودعا آخر يستحقُّ القتل فأطلقه (١)، ولو كان إنما فعل هذا لإثبات أنه الذي يحيي
(١) رُوِي هذا المعنى عن ابن عبَّاسٍ، وقتادة، والربيع بن أنسٍ، وابن جريجٍ. انظر: تفسير ابن جرير ٤/ ٥٧١ - ٥٧٦. الدرّ المنثور ٢/ ٢٥.