للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فضل، ولا يبلغ أحد ممن بعدهم مُدَّ أحدهم ولا نصيفه، عَمِلَ ما عَمِل. ولقد ينقل لواحد من أفراد الأمة بعد القرون الفاضلة أضعاف أضعاف ما نُقِلَ عن مجموع الصحابة رضي الله عنهم وأكثر من ذلك، وأنت إذا كنت قد تدبَّرت ما قدَّمنا فقد علمت السبب الحقيقيَّ في ذلك. والله أعلم.

وأغرب من ذلك أنك تجد الصحابة وخيار التابعين ومَنْ يليهم من العارفين كانوا شديدي الخوف من الله عزَّ وجلَّ، والمقت لأنفسهم، واتهامها بالغرور والرئاء وغير ذلك، مع أن منهم مَنْ مدحه الله عزَّ وجلَّ في كتابه وبشره بالجنة على لسان رسوله، وكثر ثناء النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عليه، وكان ممن ورد فيهم: «اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم» (١)، فلا تجد أحدا منهم ادّعى لنفسه الخير والصلاح، وأن الله يحبه، وأنه من المقربين، ونحو ذلك.

[٨١ ب] وفي الصحيحين عن عائشة قالت: صنع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم شيئًا ترخص (٢) وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشيةً» (٣).


(١) صحيح البخاري كتاب الجهاد، باب الجاسوس ... ، ٤/ ٥٩ ح ٣٠٠٧، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر ٧/ ١٦٧ ح ٢٤٩٤ من حديث عليٍّ رضي الله عنه.
(٢) في بعض نسخ البخاريِّ: ترخَّص فيه.
(٣) البخاريّ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة، باب ما يُكرَه من التعمُّق والتنازع، ٩/ ٩٧، ح ٧٣٠١، مسلم، كتاب الفضائل، باب علمه - صلى الله عليه وسلم - بالله تعالى وشدَّة خشيته، ٧/ ٩٠، ح ٢٣٥٦، وفي رواية له: «فغضب حتى بان الغضب في وجهه». [المؤلف]