للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يناسبه فإن البارئ عزَّ وجلَّ يَسُدُّ هذا النقصَ بالقَدَر، فيجعل لذلك الشاب مثلًا فرجًا ومخرجًا، إما بألَّا يفضحه، وإما بأن يُظْهِرَ في القضية شبهة يقوِّيها في نفس القاضي حتى يترجّح له أن هذا لا يستحقّ الحدَّ، وإما أن يُكَفِّرَ عن ذلك الشاب ذنوبًا أخرى، وإما أن يرفعه درجات في الجنة، إلى غير ذلك.

وهذا معنى جليل يحتاج إيضاحه إلى إطالة ليس هذا محلَّها، وهذا المعنى هو السبب أو أحد الأسباب فيما أجمع عليه العلماء أنَّ من شرط القاضي أن يكون مجتهدًا لا يقلِّد أحدًا. فتدبر.

وهو أيضًا من أسباب جَعْلِ كثير من أدلة الأحكام الشرعية غير واضحة كلّ الوضوح، ومن أسباب التعبد بخبر الواحد، ومن أسباب قولهم: الاجتهاد لا يُنْقَضُ [٦٣٤] بالاجتهاد، ومن أسباب قواعدَ شرعيةٍ أخرى ليس هذا محلَّ استيفاء ذكرها.

واعلم أن الطالب للحق الحريص عليه عزيز جدًّا كما مرَّ عن الغزالي، والسبب في ذلك أن للهوى مداخل كثيرة، منها: أن يميل الإنسان إلى ما كان عليه أبواه، كما في الحديث الصحيح: «ما من مولودٍ إلَّا يولد على الفطرة، وأبواه يهودانه أو ينصرانه» الحديث (١).

ومنها: أن يميل إلى ما كان عليه أستاذه. ومنها: أن يميل إلى ما اعتاده وأَلِفَه. ومنها: أن يميل إلى ما رأى عليه مَن يحبه أو يعظمه. ومنها: أن يميل


(١) البخاريّ، كتاب القدر، باب: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، ٨/ ١٢٣، ح ٦٥٩٩. مسلم، كتاب القدر، باب معنى: «كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة»، ٨/ ٥٢، ح ٢٦٥٨. [المؤلف]