للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال: جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني يومًا مع الوليد بن المغيرة ... فقال عبد الله بن الزبعرى ... : أما والله لو وجدته لخصمته فسلوا محمدًا: أكلُّ مَن عُبد من دون الله في جهنم مع مَن عبده؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرًا والنصارى تعبد المسيح، فذُكر ذلك لرسول الله [٣٣٤]- صلى الله عليه وسلم - من قول ابن الزبعرى, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم، كلُّ مَن أحبَّ أن يُعبد من دون الله فهو مع مَن عبده، إنما يعبدون الشياطين ومَن أمرهم بعبادته، فأنزل الله تعالى فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} الآيات إلى قوله: {نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٢٦ - ٢٩] (١).

أقول: ما تضمَّنه هذا الحديث هو الصواب في تفسير الآية، فأمَّا من قال: المراد الأصنامُ فلم يصنع شيئًا؛ لأنَّ كلمة (ما) وإن قيل: إنَّ الأكثر أن تكون لما لا يعقل، يعارضها هنا قوله: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: ٩٩ - ١٠٠].

أولًا: لأن هذه الألفاظ ألفاظ العقلاء.

وثانيًا: الأصنام جماد ولا ذنب لها فكيف تكون خالدة في النار لها زفير، وذلك عذاب قطعًا.

وثالثًا: الكفار يعلمون أن الأصنام جمادات لا حياة لها، وإنما يعظمونها


(١) ١٧/ ٦٨ - ٦٩. [المؤلف]. وانظر: سيرة ابن هشام ٢/ ٨ - ٩. والحديث سبق تخريجه من طرقٍ عن ابن عباس، راجع: ص ٤١٠.