للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أشنع الغلط في هذا الباب الاعتمادُ على التجربة، وما يدريك لعلَّ الله عزَّ وجلَّ لا يرضى لك ذلك الدعاء، ولكنَّه علم أن حاجتك التي دعوتَ بِها إذا أُعطيتَها عادت عليك بالضرر، فأعطاك إيَّاها؛ ليكون ما يحصل لك بِها من الضرر عقوبةً لك على ذلك، أو أعطاك إيَّاها من باب الاستدراج ــ والعياذ بالله ــ، وقد قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨].

وجاء عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسبطه الحسن بن عليٍّ عليهما السلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». صحَّحه الترمذيُّ وابن حِبَّان والحاكم, وقد تقدَّم (١).

وفي مسند أحمد من حديث أنس بن مالكٍ: ... وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك» (٢).

والمقصود أن ثعلبة لو اقتصر على دعائه لنفسه [٥٢٥] بكثرة المال وترك الخيرة لله عزَّ وجلَّ لما ضرَّه ذلك، بل كان الله عزَّ وجلَّ يثيبه على ذلك الدعاء ما يعلم أنَّ له فيه خيرًا في أمر معاشه ومعاده، ولكنه لما لم يرض بخيرة الله له، وألحَّ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له متَّكلًا على خيرته لنفسه جرى ما جرى.

فإن قيل: وكيف يدعو له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بما لا خير له فيه؟ ففيه أجوبةٌ:

الأوَّل: أنَّ تكثير المال ليس هو شرًّا بذاته.


(١) انظر: ملحق ص ٢٢ من نسخة أ, فقد قال هناك: «رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما, وقال الترمذي: حديث صحيح». جامع الترمذي, كتاب صفة القيامة والرقائق، ٤/ ٦٦٨، ح ٢٥١٨, مسند أحمد ١/ ٢٠٠. وانظر ما سبق في ص ٣٣٠.
(٢) المسند ٣/ ١٥٣. [المؤلف]