ــ كما نبَّه عليه المحقِّقون ــ، ولذلك كثر الاختلاف عنهم. وأما ما يفهمونه من القرائن فلعلَّهم يكونون مخطئين، فلا ينبغي أن يجزموا بأن ذلك لغةٌ؛ لأن الناظر في كتب اللغة إذا رأى مثلًا:(الحَرْد: المنع)، يأخذ هذا على أنه نقلٌ يقينيٌّ، ولا يكاد يخطر بباله أن قائل ذلك إنما فهم من الآية، وفي هذا ما فيه.
وغاية ما يمكنهم أن يقولوا: إنَّ جَعْلَه في تلك المواضع على حقيقته ــ وهو مجرَّد النداء ــ لا يصحُّ؛ لأن القرآن جعله في تلك المواضع شركًا، وجَعْلُه بمعنى الرغبة والسؤال [٤٩٠] لا يأتي؛ لما تقدَّم أنَّ ذلك خاصٌّ بالله عزَّ وجلَّ، ويزيد المتأخِّرون أنه نُقِل عن بعض السلف تفسير الدعاء في بعض تلك المواضع بالعبادة.
وأقول: أمَّا كونه في تلك المواضع لا يصلح أن يُفسَّر بمجرَّد النداء فلا بأس به، وأما كونه لا يصلح أن يفسَّر بالرغبة والسؤال على وِزان دعاء الله عزَّ وجلَّ ففيه نظرٌ.
أوَّلًا: إنَّ الربوبيَّة والألوهيَّة والعبادة كلَّها في الأصل لله عزَّ وجلَّ، ولكنَّ المشركين استعملوها في شركائهم، فما بال الدعاء لا يكون كذلك؟
فكما قالوا في العبادة:«ولا يُقال: عبد يعبد عِبادةً إلَّا لمن يعبد الله تعالى، ومَن عبد دونه إلهًا فهو من الخاسرين، وأمَّا عبد خدم مولاه فلا يُقال: عَبَده»، فكذا يُقال في الدعاء:«لا يُقال بمعنى الرغبة والسؤال إلَّا في الرغبة إلى الله تعالى، ومَن دعا من دونه إلهًا فهو من الخاسرين، وأمَّا رجلٌ رغِب إلى أبيه أو رئيسه فلا يُقال: دعاه».
ثم راجعت عبارة الراغب، فإذا فيها: «ودعوتُه: إذا سألتَه وإذا استعنتَه، [قال تعالى]: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[البقرة: ٧٠] أي سَلْه.