للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعلَّ هذا الفرق هو السبب في مجيء الدعاء بمعنى السؤال. قال صاحبا اللسان والقاموس: «الدعاء: الرغبة إلى الله عزَّ وجلَّ» (١)، زاد شارح القاموس: «فيما عنده من الخير، [٤٨٨] والابتهال إليه بالسؤال» (٢). وهذا يُشْعِر باختصاصه به تعالى، ومعروفٌ في اللغة والاستعمال أنه لا يُقال: (دعوتُ الأمير) بمعنى: سألتُه، فإن جاء ما يوهم ذلك فالدعاء بمعنى النداء، وأما السؤال فإنما فُهِمَ من القرينة. ويوضِّح لك ذلك: أنك تقول: (دعوتُ الله أن يعطيني)، كما تقول: (سألته أن يعطيني)، ولا تقول: (دعوت الأمير أن يعطيني)، بل تقول: (دعوته ليعطيني)، أو: (إلى أن يعطيني)، ولكن جاء كثيرًا في القرآن أنَّ المشركين يدعون آلهتهم بأنواعهم, كما تقدَّم.

ونُقِلَ عن بعض السلف تفسيرُ الدعاء في بعض ذلك بالعبادة، وكاد المفسِّرون المتأخِّرون يطبقون عليه، وفيه نظر؛ فإنه لا يُعرَف في اللغة. ولهذا لم يذكره كثيرٌ من أهل اللغة، حتى الذين يتعرَّضون للمجاز ــ كصاحب القاموس وصاحب الأساس وصاحب المصباح ــ، بل لم يذكره الراغب ــ مع أن كتابه موضوع لغريب القرآن ــ، ومَن ذكره ــ كصاحب اللسان ــ فإنما ذكره تفسيرًا لبعض الكلمات القرآنيَّة، وهذا من أشدِّ العيوب في كتب اللغة؛ يعمِدون [٤٨٩] إلى بعض الكلمات التي جاءت في القرآن وفسَّرها بعض السلف بشيءٍ أو فهموه هم من القرائن فيثبتون ذلك لغةً، مع أن السلف كانوا يتسامحون في التعبير؛ ثقةً بفهم السامع، فربمَّا فسَّروا الكلمة بلازمها، أو ببعض ما يدخل تحت عمومها، أو غير ذلك مما تدلُّ عليه في الجملة


(١) لسان العرب ١٤/ ٢٥٧، والقاموس المحيط ١٦٥٥.
(٢) تاج العروس ٣٨/ ٤٦.