قد مرَّ في تضاعيف الفصول كثير من الشبهات وردُّها، ونذكر هاهنا ما يحضرنا, وربما وقع تكرارٌ للمناسبة.
فمِن أشدِّ شبهاتهم: زَعْمُهم أنَّ أعمالهم التي ندَّعي نحن أنها شركٌ قد جرَّبوها فوجدوا أنَّ حوائجهم قد تُقْضَى بسببها، فيقول عُبَّاد الأصنام: إننا قد جرَّبنا فوجدنا أننا كثيرًا مَّا نذهب نُعَظِّم الصنم ملتجئين إلى الحيِّ الذي جُعِل الصنم رمزًا له من ملَك أو إنسان أو غيره فتُقْضَى حاجاتنا. ويقول عُبَّاد الكواكب: إننا قد جرَّبنا أننا إذا عظَّمنا زُحَلًا (١)، مثلًا، ودعوناه مع مراعاة الشروط المذكورة في كتب المسلمين أنفسهم؛ كتذكرة داوود وغيرها، فقد تُقْضَى حاجاتنا. وهكذا يقول كلُّ فريقٍ من الفِرق. وهكذا يقول الذين يدْعون الملائكة وأرواح الموتى والجنَّ وغيرهم، ويزيدون على ذلك ذِكْرَ حكايات يتناقلونها؛ أنَّ رجلًا استغاث بملَك أو ميِّت أو غائب أو جنِّيٍّ؛ فإذا شخصٌ قد ظهر له وأغاثه، أو حصلت له الإغاثة بطريق خارقة للعادة ونحو ذلك.
والجواب عن هذا: أن كلّ إغاثة حصلت لمخلوقٍ فهي من الله عزَّ وجلَّ، وإغاثتُه عزَّ وجلَّ لمخلوق لا تدُلُّ على أنه مؤمن، ولا صالح، ولا أن استغاثته مرضيّة عند الله تعالى. فإذا عرض لإنسان أمرٌ مُهلك فأنقذه الله منه فقد يكون ذلك لأنَّه لم يحضر أجلُه فقط، وقد يكون استدراجًا له وابتلاء, على ما تقدّم في الخوارق، وقد يتراءى له شيطان في صورة الملَك الذي توهَّمه، أو الرُّوح، وغير ذلك.
(١) كذا في الأصل، والمعروف في كتب النحو مَنْعُه من الصَّرْف للعَلَمِيَّة والعَدْل.