للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرفي أو فلا شرف لي. ومنه قولهم: وحقِّك، كأنه يقول: إن لم أفِ أو إن كنت كاذبًا فقد ضيَّعْتُ ما لك من الحقِّ عليَّ. وقد يكون منه قولهم: وحياتِك، ورأسِك، وجَدِّك، كأنه يقول: إن لم أف أو إن كنت كاذبًا فقد احتقرتُ حياتك واستهنتُ بها، فاعددني حينئذٍ عدوًّا, فيثق المحلوف له بهذه اليمين؛ لعلمه أن الحالف حريصٌ على بقاء المودَّة.

الضرب الثالث: أن يكون المحلوف به مما له خطر عند الحالف، بحيث يضرُّه أن يَتْلَفَ أو يَنْقُصَ، فيحلف به على معنى أني إن لم أفِ أو إن كنت كاذبًا فالإله يتلف هذا الشيء أو ينقصه، كحلف بعضهم برأسه وعينيه وحياته. ويمكن أن يكون منه قول أحدهم لصديقه: وحياتك، ورأسك، وجدِّك، كأنه يقول: إن حياتك أعزُّ عليَّ من حياتي، فهي أولى أن أقسم بها. وهذا المعنى المفهوم من القسم يَغفِرُ ما يؤول إليه المعنى؛ إذ حاصله: إن لم أَفِ أو إن كذبتُ فأفقدني الله تعالى حياتك، وكأن القائل (١):

فإن تكُ ليلى استودعتني أمانةً ... فلا وأبي أعدائها لا أخونها

استشعر هذا المعنى، فرأى أنه إن قال: وأبيها, كان حاصله: أفقدني الله تعالى [٧١٤] أباها إن خنتها، وفي هذا ما فيه من الإساءة، فعدل عن أبيها إلى أبي أعدائها؛ لأنَّ فقد أبي أعدائها يسرُّها ولا يضرُّها، ولم يبال باختلال أصل المعنى اتِّكالًا على أن القرائن تبين أنه إنما أراد القسم بأبيها، ولكنه عدل إلى أبي أعدائها لما تقدَّم.

ويظهر أن لفظ الأب مقحم، وأنه أراد القسم بها، ولكن لما كان واو


(١) البيت لابن الدمينة، في ديوانه: ٩٣، وحماسة الخالديين: ٧٤.