ينفعهم؛ لأن الحجة كانت قائمة عليهم قبل البعثة، وتَمَّ قيامها ببعثة محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وما جاء به من الآيات. لكنه مع ذلك خصَّ القرآنُ اسمَ المشركين بغيرهم ممن كانوا يسمون غير الله تعالى آلهةً ومعبوداتٍ وشركاء، على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
ومما يُستأنَس به للثاني قوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ}[النحل: ١٠٦]، إذا بنينا على أن الاستثناء متَّصلٌ كما هو الأصل ثبت بذلك أن مَن أُكْرِه على الكفر ففَعَلَه وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فقد صدق عليه في الجملة أنه كفر بعد إيمانه، ولكنه مستثنىً من عموم الأدلَّة المشدِّدة في الكفر مطلقًا.
وحديث:"اتَّقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ... "، قد يُستأنَس به للوجه الثاني، لأنه سمَّاه شركًا مع خفائه وأمر بالاستغفار مما يقع منه بغير علمٍ. والأقرب الاستئناس به للأوَّل، لأنه قال:"قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما [لا] نعلم". فأبهم في الثانية فأشعر بأن عدم العلم يمنع تسميته شركًا. والله أعلم.
[ز ٣٤] الاعتراض الثاني:
إن قيل: كيف هذا، وقد تقدَّم في أوائل الرسالة اشتراط العلم بمعنى:"لا إله إلا الله"، وعليه فَمَنْ يُحْكَم له بالإسلام تبعًا يلزمه الإتيان بالشهادتين عند بلوغه مع معرفة معناهما، فإن فَعَل لم يشتبه عليه الشرك بعد ذلك، وإن لم يفعل كان مقصِّرًا، فكيف يُعْذَر؟ وأما الكافر إذا أراد الدخول في الإسلام