ومثال هذا: أنك إذا أردت امتحان رجل أأمين هو أم لا؟ فإنك لا تمتحنه بأن تودعه مالًا بمحضر أمة من الناس، ثم تطالبه به في المجلس, وإنما تمتحنه بأن تودعه سرًّا مالًا له خطر، ثم تطالبه بعد أيام مثلًا, فإنه إن أدَّاه كان ذلك دليلًا على أمانته.
ثم اعلم أن الخيانة على درجات: فمن الناس مَنْ يرتكبها وهو يعلم قطعًا أنها خيانة.
ومنهم من لا يرتكبها إلا إذا كانت هناك شبهة يغالط بها نفسه, كأن يزعم أنه محتاج وأن المودِعَ لا يؤدِّي الزكاة أو نحو ذلك، فهكذا المخالف لظواهر الأدلة قد يكون يعلم من نفسه أنه على باطل وإنما يعتني بالتأويل والمغالطة كراهية أن يعترف بأنه على باطل.
ومنهم من يغالط نفسه أيضًا كما تجده في كثير من المقلدين فإن أحدهم لشدة محبته لإمامه وحسن ظنه به يعمد إلى الأدلة الظاهرة المخالفة لمذهبه فيؤولها التأويلاتِ البعيدةَ في حين أنه يشنع على مخالفه إذا فعل مثل ذلك أو أقلَّ منه.
والمقصود أن الحكماء الربانيين يسلكون الطريقة المتقدمة؛ لقربها، [١٠٢] ولأن المخالف إذا قَبِلَها لم يلبث أن تزول عنه تلك الحواجز التي كانت تحول بينه وبين معرفة الحقّ فيعرفه يقينًا. والله أعلم.
فصل
ومن الناس مَن يتهاون بهذا الأصل العظيم ــ الفصل بين التوحيد والشرك ــ قائلًا:«إنما الأعمال بالنيات»، زاعمين أن هذا الحديث حجة على أن المدار في البر والإثم, والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر، وكل خير