للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: وقد مرّ في الفصلين السابقين ما يفيدك هنا, وحاصله: أن القرآن يذكر عبادتهم الإناث الخياليات أو عبادتهم الملائكة ثم يحكم بأنها عبادةٌ للشياطين, وقد مرّ شيءٌ في تفسير ذلك وسيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.

وأما قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فقد قيل: إن المسلمين كانوا يسبون الأصنام وأن الأصنام هي المراد بقوله: {الَّذِينَ يَدْعُونَ}. وفيه نظر لما يأتي تحقيقه أن المشركين لم يكونوا يدعون الأصنام أنفسها، وعليه فالصواب أن يكون المراد الإناث الخياليات أو الشياطين، ولا يجوز حملها على الملائكة أنفسهم؛ لأنَّ سبَّ الملائكة ممنوع مطلقًا, ولم يكن المسلمون ليسُبُّوا الملائكة.

وأما قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ... وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ... } فأخرج [٣٢٥] ابن جرير آثارًا كثيرة منها:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الآية، يعني: عدو الله إبليس أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا لهم: أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمر الله، فأنزل الله على نبيه: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} وإنا والله ما نعلمه كان شركٌ قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعي (١) مع الله إلها آخر، أو يسجد لغير الله، أو يُسمِّي الذبائح لغير


(١) في ط هجر وط شاكر: أن يدعو, وهو الأنسب.