للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[س ٦٩/ب] ولو كان شيء غير ذلك لكان الظاهر أن يقصَّه الله عزَّ وجلَّ ويخبرنا بمحاجَّة الخليل عليه السلام فيه، كما بيَّن في حق قريش عبادة الملائكة وعبادة الأشخاص المتخيَّلة, وحكى عن هود عليه السلام قوله: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا} [الأعراف: ٧١]، وعن يوسف عليه السلام قوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم: ٢٣] وغير ذلك, وحكى الله تعالى عن كثير من الأمم ما يدلُّ على اعتقادهم بوجود الله تعالى وبالملائكة، ولم يجئ عن قوم إبراهيم عليه السلام شيء من ذلك.

نعم، الظاهر أنه كان قبل قوم إبراهيم عليه السلام أمّة تعبد الأصنام بنوع من التعليل، إمَّا كونها تماثيل للكواكب أو لأشخاص من الإنس أو الملائكة أو غيرهم, كما كان قبلهم قومُ نوح يعبدونها على أنها تماثيل لقوم صالحين كانوا قبلهم، [س ٧٠/أ] فاتَّصلت الوثنية بقوم إبراهيم عليه السلام فأخذوها تقليدًا محضًا بلا تعليل ولا تأويل.

ويدلُّ على هذا قول الله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: ٦٩ - ٧٤]، ولو كان عندهم تعليل لذكروه ولما قنعوا بالتقليد المحض، وهذا بخلاف بقية الأمم فإنهم يُحاجُّون كثيرًا ولا يعتصمون بالتقليد إلا بعد نزاع وخصام.

فإن قلت: فإذا كان الأمر هكذا فلماذا سمي فعلهم شركًا، والمفهوم من الشرك أنه عبادة غير الله تعالى معه، أي أن يعبد الله تعالى ويعبد معه غيره، فأما الاقتصار على عبادة غيره عزَّ وجلَّ فلا يَبِين أن تُسمَّى شركًا؟