للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله: «كاذبًا متعمّدًا». والكذب يدخل القضيّة الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا: «والله» وما أشبهه، فليس الإخبار بها عن أمر خارجيٍّ، بل هي لإنشاء القَسَم، فتكون صورة الحلف هنا على وجهين:

أحدهما: أن تتعلق بالمستقبل, كقوله: إن فعل كذا فهو يهوديٌّ.

والثاني: تتعلق بالماضي, كقوله: إن كان فعل كذا فهو يهودي».

ثم قال بعد كلام: «ولهذه الخصلة من حديث ثابت بن الضحَّاك شاهدٌ من حديث بريدة، أخرجه النسائيُّ وصحَّحه من طريق الحسين بن واقدٍ، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه رفعه: «مَنْ قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال, وإن كان صادقًا لم يَعُدْ إلى الإسلام سالمًا» (١) يعني إذا حلف بذلك (٢).

[٧٢٨] والحاصل: أن تسمية النذر يمينًا وحلفًا والقول بأن كفارته كفارة يمين أمر معروف عن السلف، فكلُّ ما جاء عنهم من إطلاق الحلف بالعتق والهدي والصدقة إنما يقصدون به النذر، وإطلاق الحلف واليمين على النذر مجاز. وَهَبْ أنه حقيقة أيضًا، فالنهي عن الحلف بغير الله إنما المقصود به أن يقول: والكعبة، أو أقسم بالكعبة، أو نحو ذلك. ولا يدخل فيه الحلف بمعنى النذر، كقول القائل: إن كلَّمتك فعليَّ الحجُّ ماشيًا، أو نحو ذلك. وجواز النذر ولزوم الكفارة به ــ وإن سُمِّيَ حَلِفًا ويمينًا ــ لا يَدلُّ على جواز الحلف


(١) سنن النسائيّ، كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالبراءة من الإسلام، ٧/ ٦ - ٧.
(٢) فتح الباري ١١/ ٤٣٢. [المؤلف]