للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود: ٢٥ - ٢٧]. وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: ٢٣ - ٢٤].

[٣٥١] فلولا أنَّ القوم كانوا يعترفون بالله عز وجل لما حسُن أن يُخاطَبوا بهذا الخطاب.

وأوضح من ذلك قولهم: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً} فإنَّ في هذا اعترافًا بوجود الله عز وجل وقدرته واعترافًا بوجود الملائكة، وفي كلامهم إنكار أن يكون البشر رسولًا لله تعالى، فكيف يعتقدون فيه أو فيما هو دونه من الجماد أن يكون مثل الله في الخلق والرزق؟ ولو كانوا يزعمون هذا جهلًا أو عنادًا لاحتجَّ عليهم نوح بما ذكرناه؛ فإنه أقرب الحجج، ولو احتجَّ به لذكره الله عز وجل في القرآن؛ لأنه سبحانه ذكر القصص في القرآن ليذكر ما فيها من حُجَجه وحُجَج أنبيائه عليهم السَّلام.

فإن قلت: فإنَّ الألوهية أعظم من الرسالة، فكيف يستبعدون أن يكون البشر رسولًا لله تعالى ويزعمون أنه لا يتأهل للرسالة إلَّا الملائكة وهم مع ذلك يؤلِّهون الحجارة والموتى؟

قلت: تفكَّرْ أنت في وجه ذلك، وسأذكره بعدُ إن شاء الله تعالى (١).


(١) انظر ص ٦٣٦ وص ٧٠١ - ٧٠٢.