للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما يعمُّ النبي الذي لم يؤمر بالتجرد للتبليغ والجد فيه إذا دل دليل على العموم، والدليل هنا ما مر؛ إذ لا يظهر فرق بين من بلغه إرسال رسول ومن بلغه إرسال نبي في قيام الحجة. والله أعلم.

فصل

وأما القول بأنه لم يبعث إلى العرب رسول قبل محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فيردُّه أن مَنْ كان منهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فقد دخلوا في رسالتهما؛ إذ لا شبهة أنهما كانا مرسلين إلى أبنائهما، ومَن كان مرسلًا إلى قوم فهو مرسلٌ إلى ذرِّيَّتهم ما تناسلوا، وأما الباقون فقد دخلوا في رسالة إسماعيل، كما جاء أنه أرسل إلى جُرْهُم (١)، وجاء أن عادًا وثمود من العرب، وقد أرسل إليهم هودٌ وصالحٌ.

فأما قوله تعالى: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الجرز [السجدة]: ٣]، فالمراد بالقوم كما هو الظاهر مَن بلغتهم بعثته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من أهل مكة وغيرهم، وهؤلاء لم يأتهم أنفسهم رسول نذير قبله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ولا يفهم من ذلك أنه لم يأت أسلافهم نذير، كيف ومن أسلافهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما نبيّان مرسلان، ومن أسلافهم أبناء إسماعيل لصلبه، وقد أنذرهم أبوهم إنذارًا مباشرًا، وهكذا يُقال في آيات أخر (٢).


(١) جُرْهُم: حيٌّ من اليمن نزلوا مكَّة وتزوَّج فيهم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وهم أصهاره، ثمَّ ألحدوا في الحرم فأبادهم الله. لسان العرب ١٢/ ٩٧.
(٢) كالآية (٤٤) من سورة سبأ، و (٤٦) من سورة القصص. [المؤلف]