من هذه الآية أن يوسف هذا كان رسولًا إلى المصريِّين الرسالة الخاصَّة، كما أُرْسِلَ هود إلى عاد، وعلم أن هذا لا ينطبق على يوسف بن يعقوب لما مَرَّ. والصواب أن الآية لا تدلُّ على ما ذكر، بل تدل أن يوسف كان رسولًا أي إلى أهل بيته ومن لعله تبعهم من قومهم، ولكنه تيسر له أن يدعو المصريين ففعل. والله أعلم.
وهكذا ما اشتهر بين أهل العلم أن من الأنبياء مَنْ لم يكن رسولًا، ويفسرون ذلك بأنه لم يؤمر بالتبليغ، لا أرى هذا التفسير على إطلاقه، وإنما معناه الصحيح أنه لم يؤمر بالتجرد للتبليغ والجِدِّ فيه لا لقومه ولا لغيرهم، وإنما يؤمر بما تيسر له من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأهله وجيرانه ومن يأنس به، فيكون حاله مع الناس كلهم كحال هود مع غير قومه الذين أرسل إليهم على ما تقدم.
وعلى هذا فمن بلغه وجود نبيٍّ غير رسول يكون حاله كمن بلغه وجود رسولٍ في قيام الحجة إذ لا يظهر فرق، وعلى هذا فكلمة (رسول) في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} المراد بها ــ والله أعلم ــ ما يَعُمُّ النبي، ولا حاجة لدعوى المجاز، ولا إلى ما قيل: إن كل نبي فهو رسول إلى نفسه، بل كل نبي يصدق عليه أنه رسول؛ لأنه لا بُدَّ أن يؤمر بالتبليغ وإن لم يؤمر بالتجرُّد له والجِدِّ فيه.
وقد قال الله عزَّ وجلَّ:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى}[الحج: ٥٢]، فدلت الآية أن كلًّا من الرسول والنبي مرسل. نعم إذا أطلق الرسول فالظاهر منه أنه المأمور بالتجرُّد للتبليغ والجِدِّ فيه، لأن معنى الإرسال فيه أقوى، ولكن ذلك لا يمنع من حمل (رسول) في بعض الموارد