للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن عند قوم فرعون سلطان من الله تعالى بأنَّ تسوية الخلقة والمعافاة والتمليك تدلُّ على الصلاح. وإنما يكرم المسلمون صلحاءهم إكرامًا عندهم سلطان من الله تعالى به، فلا يسجدون لصالحيهم؛ لأنه ليس عندهم سلطان بشرع السجود للصالحين، وقس على ذلك.

وأمَّا قوم فرعون فعظَّموه بما لم يُنزل الله تعالى به سلطانًا، فإن وُجِدَ في المسلمين مَن يغلو في إكرام الصالحين بما لم ينزل الله به سلطانًا فهو مخالف لحكم الإسلام، فلا يُلْتَفَتُ إليه.

شُبَه النصارى في عبادتهم الصليب

وإن قال النصارى: إنَّنا إنما نعظِّم خشبة الصليب بناءً على أنَّ عيسى عليه السلام صُلِبَ عليها, وأنتم تعظِّمون الكعبة والحجر الأسود ومقام إبراهيم وزمزم [٥٧١] وغيرَها من آثار إبراهيم، وقد نُقِلَ عن أصحاب نبيِّكم أنهم كانوا يعظِّمون منبره والرُّمَّانة (١) التي كانت عليه، ويعظمون ثيابه، والقدح الذي شرب فيه، وشعره الذي كان محفوظًا عندهم، وأنتم تعظمون قبره وآثاره وقبور من تظنُّون بهم الصلاح وآثارهم، ونحن إنما نعظِّم شكل


(١) الموضع الذي يضع الخطيب يده عليه من المنبر ــ كما سيتَّضح من كلام المؤلِّف بعد قليلٍ ــ. وقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيطٍ، قال: رأيت نفرًا من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رُمَّانة المنبر القرعاء فمسحوها ودعوا ... وعن سعيد بن المسيّب أنه كره أن يضع يده على المنبر. انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة، كتاب المناسك، في مسِّ منبر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ٨/ ٧٩٩، ح ١٦١٢٩ - ١٦١٣٠. وفي طبقات ابن سعد (القسم المتمم ص ١٠٠) بسند واهٍ عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر أنهما كانا يأخذان برمانة المنبر ثم ينصرفان.