للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصليب؛ لأنه يشبه تلك الخشبة، والمسلمون الآن يعظِّمون صورة نعل نبيِّهم وصورة البراق كما تخيّلوه.

قلنا: أمَّا أنتم فليس عندكم سلطان من الله تعالى بتعظيم خشبة الصليب ولا تعظيم صورتها. وأمَّا صلاتنا إلى الكعبة وطوافنا بها وتقبيلنا الحجر الأسود وصلاتنا إلى مقام إبراهيم, فكلُّ ذلك عندنا به سلطان من الله عزَّ وجلَّ، ولسنا نصنع شيئًا من ذلك لأنها آثار، وإنما نصنع ذلك طاعة لله عزَّ وجلَّ وامتثالًا لأمره. وأصحاب نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يصنعون ما يصنعون إلَّا على سبيل التماس البركة، وكان عندهم سلطان من الله تعالى؛ لأنَّ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أقرَّهم على ذلك، ولهذا لم يجاوزوا ما أقرَّهم عليه، فلم يكونوا يركعون ولا يسجدون له - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقومون له إذا جاءهم وهم جلوس، ولا للمنبر ولا لرُمّانته ولا لغير ذلك من الآثار.

[٥٧٢] بل أعظم ما رُوي عنهم هو وضع اليد على رُمَّانة المنبر حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يضع يده (١)، وأما ثيابه وشعره فكانوا يغسلونها ويسقون المرضى من غُسَالتها، وأما القَدَح فإنما كانوا يحبّون الشرب فيه، وكلُّ ذلك عندهم فيه سلطان، إمَّا فيه بخصوصه أو في نظيره.


(١) قال العراقي عن حديث: «وضعه - صلى الله عليه وسلم - يده عند الخطبة على رمانة المنبر»: (لم أقف له على أصل). وتعقبه الزبيدي بنحو أثر يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور قريبًا. انظر: إتحاف السادة المتقين ٤/ ٤٢٢ - ٤٢٣. وفي اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٢٤٤ - ٢٤٥: (فقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمّانة التي هي موضع مقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويده ... فأما اليوم فقد احترق المنبر, وما بقيت الرمانة، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة, فقد زال ما رخص فيه ... ).