للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكذيب الطاغية في زعمه أنه هو الذي يطلق من أراد إطلاقه ويقتل مَن أراد قتله، والله تبارك وتعالى أعلم.

وعلى ما تقدَّم فلم يدَّع الطاغية الربوبية العظمى وإنما ادَّعى أن أمر رعيَّته مفوَّض إليه يصنع فيهم ما يشاء، لا يمنعه الله عز وجلَّ عما يريده بهم, فيرجع النزاع إلى ضرب من النزاع في القدر، والله أعلم.

[تفسير تأليه المسيح وأمه عليهما السلام]

رأيُ النصارى في المسيح عليه السلام مضطرب، ويظهر بالتأمُّل أن أول ما تخيَّله العامَّة أن عيسى هو ابن الله حقيقة، حملهم على ذلك أمور:

منها: أنهم سمعوا أنه وُلد من غير أبٍ.

ومنها: أنه كان يقال له: ابن الله، وقد كان هذا المجاز شائعًا في بني إسرائيل، وقد ورد في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب الآن في داود أنه ابن الله البكر، وورد فيها نحوه في مواضع كثيرة. وقد قال تبارك وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨].

[٣٧٩] ومنها: أنهم سمعوا كثيرًا من الأمم يدَّعون في رجال منهم أنهم أبناء الله لأنهم وُلدوا من عذارى، وقد نبَّه الله عزَّ وجلَّ على هذا بقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: ٣٠].

وفي كتاب "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" للتَّنِّير (١) بيان مَن قال


(١) ص ١٥١ فما بعدها، والتَّنِّير هو: محمد طاهر بن عبد الوهاب بن سليم التَّنِّير البيروتي. توفِّي في دمَّر من ضواحي دمشق، عام ١٣٥٢ هـ انظر: الأعلام للزركلي ٦/ ١٧٣.