للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التدبيرات المتينة عواقبَ وغاياتٍ لا بدَّ من وصولها .... " (١).

أقول: وإيضاحه والله أعلم: أنكم إذا تدبرتم هذه الآيات علمتم أنَّ الخالق الذي دبَّر العالم هذا التدبير لم يكن ليخلقكم عبثًا ولا ليدَعَكم سُدى. وإذا كان الأمر كذلك فلا بدَّ من البعث، كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥]. قال أبو السعود: "فإنَّ خلقكم بغير بعثٍ من قَبيل العبث" (٢). وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) ... أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: ٣٦ - ٤٠].

وعلى هذا فإنما بُهت الذي كفر لقيام الحجة على عجزه عن قتل أحد أو استحيائه بغير قضاء الله تعالى وقدَره، فأما الإتيان بالشمس من مغربها فإنه لم يدَّع القدرة عليه أصلًا، ولو كان يدَّعيه لأمكنه أن يعاند فيقول: لا أريد الإتيان بالشمس من المغرب؛ فإن ذلك منافٍ لحكمتي ومصالح رعيتي، وقد أقمت أنا الحجة على قدرتي على الإحياء والإماتة وأنت الجاحد لذلك، فأنت المطالَب بما يدفع حجتي، أو نحو ذلك، والله أعلم.

وهناك معانٍ أخر حُملت عليها القصَّة ليس فيها أقرب مما مرَّ.

وقد رُوي أن المحاجَّة كانت قبل (٣) إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار (٤)؛ فإن صحَّ فيكون الله عز وجل جعل في ذلك برهانًا حسِّيًّا [٣٧٨] على


(١) تفسير أبي السعود ١/ ٧٤٢. [المؤلف]
(٢) تفسيره ٢/ ٢٠٧. [المؤلف]
(٣) سبق في ص ٤٦٩: قُبيل.
(٤) نُقِل هذا المعنى عن مقاتل. انظر غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري ٢/ ٢٢.