للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٣٧٦] إن العاقل إذا تفكر في خلق الله تعالى الشمسَ جارية بمصالح عباده وأنشأ بها التغيرات الجوية والأرضية التي لها دخل عظيم في حياة الحيوان وطعامه وشرابه وتنفُّسه وغير ذلك مما لا يحصى، وبعضه يعرفه الناس جميعًا, ومن كان له إلمام بعلم الطبيعة كان علمه بذلك أوسع.

وقد كان لقوم إبراهيم عليه السلام معرفة بأحوال الشمس وغيرها من الكواكب؛ لأنهم كانوا يعبدونها، وعبادتها تدعو إلى تعرف شؤونها، وكذلك كانوا يستدلون بأحوالها على الحوادث الأرضية كما يدل عليه قوله عز وجل في إبراهيم: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) أي: أوهمهم بأنه استدلَّ بأحوال النجوم على أنه سيسقم، وإنما يعني عليه السلام بهذا الخبر أنَّ كلَّ إنسان لا بدَّ أن يعتريَه السَّقَم، والله أعلم.

أقول: إذا تفكَّر العاقل في ذلك عَلم شدَّة عناية الله تعالى بالخلق، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يدَعُهم مع ذلك هملًا يعمل فيهم بعضُهم ما يشاء في غير مصلحة يعلمها الله عز وجل ويُقدِّرها؟ وأبعدُ من ذلك أن يدَع مَن يوحِّده [٣٧٧] فريسة لمن يشرك به بدون قضاء منه عزَّ وجلَّ لحكمة يعلمها.

فالإنسان الذي يزعم أنه يفعل في الخلق ما يشاء بدون قدَرٍ من الله تعالى ولا قضاء كأنه ينكر وجود الشمس وجَرْيَها في مصالح العباد، أو يزعم أنه هو الذي يجريها.

ومما يشبه هذا الاستدلال قولُ الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: ٢].

قال أبو السعود: "فإنَّ مَن تدبَّرها حقَّ التدبُّر أيقن ... , وأنَّ لهذه