للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أنه يحتاج إلى إظهار خارق، وإنما يلجأ الأنبياء عليهم السلام إلى الخارق فيما لا يتيسر الاحتجاج عليه ببرهان عاديٍّ، كإثبات رسالتهم.

ومن الحكمة في ذلك: بُعد البراهين العادَّية عن الشبهة.

ومنها: أن استنباط الحجة أعظم أجرًا للأنبياء من حدوث الخارق.

ومنها: أن في المحاجة بالحجج العادية إرشادًا لأتباع [٣٧٥] الأنبياء ممن لا يظهر على يده الخارق، وغير ذلك.

الوجه الثاني: أن الغالب أن الله عز وجل إذا أظهر الخارق لقومٍ فلم يؤمنوا عقَّبه بالعذاب، ولم يكن الخليل عليه السلام يريد تعجيل العذاب رجاء أن تفيد المطاولة في القوم أو بعضهم أو يخرج من أصلابهم من يؤمن.

الوجه الثالث: لعلَّ الخليل عليه السلام لم يكن حينئذ قد نُبِّئ، وإنما محاجته مع قومه ومع طاغيتهم بإيمانه الذي هداه له الله تعالى من طريق عقله ونظره، ويشهد لهذا قول قومه: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، والفتى: الشاب (١)، وقد اشتهر أن الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبيًّا إلا بعد أربعين سنةً من عمره (٢).

بقي علينا أن نبين وجه دلالة عجزه عن الإتيان بالشمس من مغربها على أنه إنما يقتل ويطلق بإذن الله عز وجل، وأن الله عز وجل قد يأذن له وقد يمنعه، فأستعين الله عز وجل وأستهديه، ثم أقول:


(١) انظر: المصباح المنير ٤٦٢.
(٢) مرَّ ذكره في ص ٤٦٧، ولا أصل له.