ويميت مطلقًا لأجابه إبراهيم عليه السلام بما يثبت أنَّ ما صنعه لا يدلُّ على دعواه، كأن يقول له: إن الإحياء يكون بالتوليد، والإماتة تكون بغير القتل، فإن كنت أنت فاعلَ ذلك فامنع رعيَّتك أنْ يُولد فيهم مولود وأن يموت منهم ميت شهرًا مثلًا، أو: أخبِرْنا كَمْ مولودًا وُلد وكَمْ ميتًا مات في مدينتك اليوم، وسمِّهم بأسمائهم ومواضعهم؛ فإنه لا يجوز أن تكون أنت فاعل ذلك وأنت تجهله، فكيف ترك إبراهيم عليه السلام هذا القبيل وانتقل إلى الشمس؟
فالذي يظهر لي أنَّ هذا الطاغية كلَّم الخليل عليه السلام في أن يطيعه، وقال له: إن أطعتني فأنا أطلقك، وإن أبيتَ قتلتُك، فأجابه الخليل عليه السلام بقوله:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، أي: إنك لا تقدر على قتلي ما لم يسلِّطك الله عليَّ، ولا على تركي حيًّا ما لم يكن الله عز وجل [٣٧٤] يريد ذلك، فجحد الطاغية ذلك، كأنه يقول: إني طيلة ملكي أقتل من أريد وأطلق من أريد، ولا مانع يمنعني عما أريد من ذلك، وها أنا الآن أدعو هذا المستحق للقتل فأطلقه، وأدعو هذا الآخر فأقتله.
وليس هذا بدليل على إنكار الطاغية ربوبية الله عز وجل، بل يجوز أن يكون يزعم أن الله عز وجل فوض أمر الرعيَّة إلى مَلِكهم يصنع فيهم ما أراد، فلم يكن للخليل عليه السلام في الجواب إلا طريقان:
الأولى: أن يدعو الله عز وجل فيميت الذي أطلقه الطاغية فورًا ويحول بينه وبين الذي أراد قتله.
الطريق الثانية: أن يعدل إلى أمر لا تتناوله قدرة الخلق، ولعله إنما عدل عن الأولى لوجوه: