قد علمت أن العرب كانوا يزعمون أن لله ــ تعالى الله عن قولهم ــ بناتٍ، وأنهنَّ هنَّ الملائكة، ويجعلون لها تماثيل أو تذاكير من الجمادات ويعبدونها، فنجد القرآن ينوِّع محاجَّتهم، فتارةً يُؤَنِّبُهُم على عبادة الأصنام، وتارةً ينعى عليهم نسبة [٤٥٤] الولد إلى الله عزَّ وجلَّ، وتارةً يوبِّخهم على أنهم لم يكتفوا بنسبة الولد إليه حتى خصُّوا الإناث ــ مع كراهيتهم لأنفسهم البنات ــ، وتارةً يبيِّن لهم أنهم إنما يعبدون العدم، وتارةً يُعلِمهم بأنه على فرض أن تكون موجودةً لا تستحقُّ أن تُعبَد؛ لاعترافهم بأنه ليس لها من الأمر شيءٌ، وتارةً يُعلِمهم بأنهم إنما يعبدون الشياطين ــ على المعنى الذي تقدَّم فيما سبق، وسنوضِّحه إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير عبادة الشياطين (١) ــ، وتارةً يفنِّدهم في قولهم: الملائكة إناثٌ، وتارةً يبطل استحقاق الملائكة أن يُعبَدوا، وتارةً يذكر أنهم إنما يعبدون من سوَّل لهم ذلك الفعل من الشياطين أو الرؤساء أو الأهواء.
فأما الأصنام فقد علمتَ أنهم إنما كانوا يعبدونها على أنها تماثيل وتذاكير لتلك الإناث الوهميَّات، ويُحتمَل في بعض أصنامهم غير ذلك مما سبق.
وأما الإناث الوهميَّات فكانوا يزعمونها بناتٍ لله ــ تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ــ، وقد احتجَّ عليهم القرآن بقوله: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ