وبحسبك أنَّ كلّ فرقة من الفرق المختلفة يزعمون أنهم قد تحصل لهم الإغاثة إذا عملوا بما يعتقدونه أو يعتادونه، مع الاتِّفاق على أنَّ منهم مَنْ هو على الباطل؛ على أنَّ الحكايات المزعومةَ موجودة عند كلِّ فرقة، والغالبُ عليها الكذب، ومنها ما هو تخيُّلٌ وأوهام، ومنها ما هو مكر ودجلٌ من بعض الناس الأحياء على ما تقدَّم في الخوارق والغرائب.
فإن كان المغترُّ بهذه الشبهة ممَّن يلتزم الإسلام فيكفيه أن يعلم أنَّ الحجّة إنما هي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وأنّ مثل ما وقع له أو سمِعه يقع أكثر منه للنصارى والوثنيِّين، وأنَّ الله قد بيَّن في كتابه أنَّه يستدرج بعض الناس. وقد مرّ في الخوارق والغرائب ما يكفي.
شبه عُبَّاد الأصنام
إن قالوا: أرأيت تعظيمنا لأصنامنا التي جعلناها رمزًا لله تعالى، وتعظيم المسلمين الكعبة، والحجر الأسود، وتعظيم العاشق ــ مثلًا ــ منزلة (١) معشوقته غير متديِّنٍ بذلك، ما الفرق بين هذه الثلاثة حتى زعمتم الأوَّل شركًا، والثاني إيمانًا، والثالث ليس بشرك ولا إيمان؟
فالجواب: أن الفرْق هو أنكم تعظِّمون أصنامكم تعظيمًا تطلبون به النفع الغيبيَّ، وتلك عبادة، ولم ينزل الله تعالى بذلك سلطانًا، فليست عبادة له، بل هي عبادة للأصنام. والمسلمون يصنعون ما يصنعون بالكعبة والحجر الأسود طاعة لأمر الله تعالى [٥٦٨] الذي أنزل به سلطانًا، فتلك عبادة لله
(١) كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب «منزل» بدون تاء كما سيذكره المؤلف بعد عدّة أسطر.