للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدَّ فيه من القطع على الضرب الأول.

والقطع بلا إله إلا الله يستدعي القطع بثلاثة أمور:

الأول: أنه لا مدبِّر في الكون استقلالًا إلا الله عزَّ وجلَّ، فمن جَوَّز أن يكون في الكون مدبر مستقل قد يعجز الله تعالى عن منعه وقد يستطيع هو منع الله عزَّ وجلَّ عن إنفاذ قضائه، فقد جَوَّز أن يكون مع الله إله آخر. وكذلك إذا جوّز أن يكون الله عزَّ وجلَّ فَوَّضَ أمر العالم أجمع، أو أمر العالم الأرضي، أو أمر قُطْر خاص، أو بلد خاص، أو شخص واحد إلى مخلوق، وأذن له أن يصنع به ما أراد [٦٠٣] على أن يتخلّى الباري عزَّ وجلَّ عن تدبير ذلك الشخص مثلًا أصلًا. وكذلك إذا جوّز أن يكون مخلوق من الخلق مقبولَ الشفاعة أو الدعاء البتة بحيث لا يخالفه الله عزَّ وجلَّ في شيء قطعًا.

وليس من هذا تجويز أن يفوِّض الله تعالى قضية أو قضايا خاصة إلى مخلوق، كما جاء أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لما خرج إلى الطائف قبل الهجرة وآذاه أهلها ورجع حزينًا، وفيه « .... فإذا فيها جبريل، فناداني: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت (١)، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين» (٢).


(١) في بعض نسخ البخاري: (فما شئت). وعلى هذا فقوله: (ذلك): مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره: كما علمت، أو: كما قال جبريل. وقوله: (ما شئت) استفهام, وجزاؤه مقدر, أي: إن شئت فعلت. انظر: فتح الباري ٦/ ٣١٦.
(٢) البخاريّ، كتاب بدء الخلق، بابٌ: «إذا قال أحدكم: آمين»، ٤/ ١١٥، ح ٣٢٣١. مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الأذى، ٥/ ١٨١، ح ١٧٩٥. [المؤلف]