للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: قد لا يكون عند الناظر علم يقيني بأن هذا الخبر مستجمع لها.

قلت: الدليل يدل على وجوب العمل بخبر الواحد على كلِّ مَن ظهر له أنه مستجمع لشرائط القبول، وإن لم يعلم ذلك علم اليقين. وممن حقَّق هذا المعنى الشاطبي في كتاب «الموافقات» (١)، وقرّر هو وغيره أن سائر الأدلة التي درج السلف الصالح والأئمة المجتهدون [٦٠٢] على الاحتجاج بها بعضها قطعيٌّ، أي: من الضرب الأول، وباقيها ظنيٌّ ولكنه يرجع إلى أصل قطعيٍّ (٢)، أعني: كما قررناه في خبر الواحد.

ولذلك قالوا: إن أصول الفقه لا تكون إلا قطعية. وقد أنكر بعضهم هذا، وقال: إن كثيرًا من أصول الفقه ظني (٣).

والجواب: أن ما كان منها ظنيًّا فهو فرع لأصل آخر قطعي، فإن سلّمنا أن كون الأمر حقيقة في الوجوب ظني، فإننا نقول: إن هذا الظن مستند إلى أن ذلك هو الذي يظهر من اللغة ومن استعمالات الشارع، وقد ثبت بالقطع أنَّ كلَّ ما يظهر من معاني الكتاب والسنة بمقتضى اللغة والعرف الشرعي يجب العمل به. وقس على هذا، فقد يجوز أن يكون الأصل من أصول الفقه ظنِّيًّا ويستند إلى أصل آخر ظني، ولكن هذا الثاني يستند إلى أصل قطعي.

ثم نقول: إن الأمور الدينية منها ما يُطلبَ العلمُ به كما هو عليه في نفس الأمر كوجود الله عزَّ وجلَّ، وكونه حيًّا قادرًا عالمًا، وأنه لا إله إلا هو سبحانه، وأن محمدًا رسول الله، وأن القرآن من عند الله، ونحو ذلك، فهذا لا


(١) الموافقات ٢/ ٣٥٩.
(٢) المصدر السابق ٣/ ١٥ - ١٦.
(٣) المصدر السابق ١/ ٢٩ وما بعدها.