للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنقيح المناط

بعد تدبُّر ما قدَّمناه نستطيع أن نقول: مدار التأليه والعبادة على أمرين:

الأوَّل: الطاعة في شرع الدين، والمراد بالدين: الأقوال والأفعال التي يُطْلَب بها النفع الغيب‍يُّ، والمراد بالنفع الغيبيِّ: ما كان على خلاف [٤٧٨] العادة المبنيَّة على الحِسِّ والمشاهدة.

فمن هذا: طاعة الموحِّدين لربِّهم عزَّ وجلَّ في شرع الدين.

ومنه: طاعة قوم فرعون لفرعون فيما شرعه لهم من تعظيمه؛ زاعمًا أن ذلك يفيدهم رضى الملائكة، ورضى الملائكة يفيدهم رضى الله عزَّ وجلَّ، فتحصل لهم بسبب ذلك المنافع الغيبيَّة التي تُرجى من الله عزَّ وجلَّ.

ومنه: طاعة أهل الكتاب للأحبار والرهبان فيما يشرعون لهم؛ فإنهم كانوا يزعمون أن ما شرعه الأحبار والرهبان يكون دينًا يفيد مَن عَمِل به رضوان الله تعالى، فتحصل له المنافع التي تُرجى منه سبحانه.

ومثل ذلك: طاعة العرب لعمرو بن لُحَيٍّ وأضرابه.

ومنه: طاعة المشركين للشيطان والهوى؛ فإنهما يوسوسان لهم بأن فِعْلَ كذا دينٌ يفيد مَن التزمه رضوان الله تعالى وحصولَ النفع الذي يُرْجَى منه سبحانه أو حصولَ النفع الغيبيِّ من غيره.

الأمر الثاني: الخضوع أو التعظيم على وجه التديُّن، أي: على أنه دينٌ يُطْلَب به النفع الغيب‍يُّ.