وكثيرًا ما يحتج أهل زماننا وما قرب منه بآيات من كتاب الله تعالى ويفسرونها برأيهم بما لم ينقل عن السلف ولا تساعده اللغة العربية ولا البلاغة القرآنية.
وقد عظم البلاء بذلك, حتى إنك لتجد العجميَّ الذي لا يعرف من العربية إلا بعض المفردات، ولا يستطيع أن يكتب سطرين أو ثلاثة بدون لحن، وهو يفسر القرآن [٨٥] برأيه. وهكذا يصنعون بالأحاديث الثابتة, مع أنهم يشددون النكير على مخالفهم إذا احتجَّ عليهم بآية أو حديث، وأوضح تفسيرها بالحجج الصحيحة، ونقل عن تفسير السلف ما يوافق قوله أو يشهد له، ويقولون: إن الفهم من الكتاب والسنة خاصٌّ بالمجتهدين. فأما إذا خالف أحد قول إنسان يعتقدون فيه الإمامة أو الولاية؛ فإنهم يكفِّرونه أو يضلِّلونه، ويشدِّدون عليه النكير، ويقولون: انظروا إلى هذا الضالِّ المضلِّ يزعم أنه فهم من الكتاب أو السنة ما لم يفهمه الإمام فلان أو الشيخ فلان أو نحو ذلك.
ومن البلاء العظيم أن هؤلاء الجهال هم في نظر العامة هم الرؤساء في الدين. وذلك مصداق حديث الصحيحين عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضَلُّوا وأضلُّوا»(١).
(١) البخاريّ، كتاب العلم، بابٌ كيف يُقبَض العلم، ١/ ٣٢، ح ١٠٠. ومسلم، كتاب العلم، باب رفع العلم، ٨/ ٦٠، ح ٢٦٧٣. [المؤلف]