استحقاق الأصنام للتعظيم, فصارت عندهم مساوية لله عزَّ وجلَّ في هذا المعنى، ولذلك سمّوها آلهة، وسمّوا تعظيمها عبادة لها، فتدبَّر.
فإن قالوا: يؤخذ من كلامكم أن الله تعالى لو لم ينزل سلطانًا بتعظيم الكعبة لكان تعظيمها شركًا، وحينئذٍ لا يكون هناك فرق إلا أمر الله وعدمه، وكيف يُعْقَل أنَّ الله تعالى يأمر بشيء لو لم يأمر به لكان شركًا، فإنه يتحصَّل من هذا أنه سبحانه أَمَرَ بالشرك، وقد جاء في القرآن:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}[الأعراف: ٢٨].
قلنا: قد علمتم أنَّ قِوام الشرك هو الكذب عليه، والتديُّنُ بما لم يشرعه، والافتيات عليه، وتسوية غيره به في أنَّ العقل يستقلُّ بإدراك استحقاقه للتعظيم، وهذه الأمور متحقِّقة فيما لم يُنزل به سلطانًا، منتفية عن تعظيم ما أَنْزَلَ به سلطانًا، فتعظيم الجماد ليس بقبيح في ذاته حتى يُقال: كيف يأمر الله تعالى به وهو لا يأمر بالفحشاء؟ وإنما يقبُح إذا كان شركًا وقد علمتم حقيقة الشرك.
[٥٧٠] شُبَه عُبّاد الأشخاص الأحياء
لو قال قوم فرعون: إنَّنا في تعظيمنا لفرعون ظننَّا أنه مقبول عند الله تعالى بدليل أنه سوّى خَلْقَه وعافاه وملَّكه، فعظَّمناه لذلك كما يعظِّم المسلمون مَنْ يظنُّون به الصلاح منهم.
لقلنا: المسلمون إنما يُكرمون مَن يظنُّون به الصلاح، وإنما يظنُّون بالرجل الصلاح إذا كان محافظًا على طاعة الله عزَّ وجلَّ، الطاعة التي أنزل الله بها سلطانًا وعندهم من الله تعالى سلطان بأنَّ ذلك دليل على الصلاح.