للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما رُوي أنَّ قارون وأصحابه لما بالغوا في أذى موسى عليه السلام شكا إلى الله عزَّ وجلَّ، فأوحى الله تعالى إليه: «إني قد أمرت الأرض أن تطيعك»، وقد تقدَّمت القصَّة (١).

فإنه ليس معنى التفويض في هاتين الواقعتين أنَّ الله عزَّ وجلَّ تخلَّى عن الأمر البتة، فقد تقدَّم في قصة قارون وأصحابه أن موسى عليه السلام لما أمر الأرض أن تأخذهم فتضرَّعوا إليه مرارًا فلم يلتفت إليهم عاتبه الله عزَّ وجلَّ وقال له: «يقول لك عبادي: يا موسى يا موسى فلا ترحمهم، لو إيَّاي دعوا لوجدوني قريبًا مجيبًا»، وقد مرّ في الكلام على الشبه أمثلة من عدم استجابة الله عزَّ وجلَّ دعاء كبار الرسل وعدم قبوله شفاعتهم في بعض المواطن.

وأما الأناسي الأحياء والجن فإنه فوض إليهم العمل بما كلَّفهم به، ولكن لا على المعنى السابق، بل ما لم تقتضِ حكمة الله تعالى خلاف ما يريدون. ألا ترى أن الفاجر قد يريد أن يزني بامرأة صالحة فتبتهل [٦٠٤] هذه إلى الله عزَّ وجلَّ فيحول بينها وبينه، وقد تريد هي أن توافقه، ولكن يكون زوجها صالحًا مثلًا؛ فيحول الله بينهما مكافأة للزوج على صلاحه. وقد يريد الكافر قتل مؤمن فيمنعه الله منه، وقد يريد الإنسان التصدق على فقير وقد قضى الله تعالى حرمان ذلك الفقير؛ فيمنع الله مريد التصدق منه. وأمثال ذلك لا تحصى، وقد مر في قصة الخليل عليه السلام مع خصمه الذي كفر ما يتعلق بهذا (٢).

وأما تصرف الجن بالإنس بغير الوسوسة فهو أوضح من هذا؛ لأن


(١) انظر ص ٧٩٤.
(٢) انظر ص ٦٨٧.