فلا يدخل إلا بالشهادتين مع معرفته لمعناهما، فإن فعل لم يشتبه عليه الشرك بعد ذلك، وإلا فلم يصحَّ إسلامه من أصله.
فالجواب: أن الأوَّل وهو من يُحْكَم له بالإسلام تبعًا قد لا يكون مقصِّرًا، كمن ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء، فيعلم بوجوب الإتيان بالشهادتين، ولا يعلم أنه يجب عليه تحقيق معناهما، وإذا علم فقد يرى أنه قد عرف معناهما، ويكون في نفس الأمر لم يحقِّق المعنى، وقد يحقِّق المعنى ثم يغفل عنه أو يشتبه عليه في بعض الجزئيَّات. وستعلم عند تحقيق معنى الإله والعبادة أن معرفة المعنى جملة لا تضمن عدم الاشتباه في بعض الجزئيات، حتى لقد يقع الاشتباه للمتبحر في العلم فضلًا عن العالم الذي لم يتبحر فضلًا عن العامي، وذلك أن معنى الإله والعبادة كما ستعلم يرتبط بسائر فروع الشريعة، فالخطأ في فرعٍ منها يلزمه خطأٌ مّا في تطبيق معنى لا إله إلا الله، وذلك مصداق الحديث السابق أن الشرك أخفى من دبيب النمل. هذا وقد قام الإجماع أن الإسلام لا يوجب على كلِّ فردٍ أن يكون عالمًا فضلًا عن أن يكون متبحرًا.
وأما الثاني وهو مَنْ كان كافرًا ثم أسلم فالذين يشترطون للدخول أن يأتي بالشهادتين مع معرفته معناهما يكتفون فيما يظهر بمعرفة معناهما إجمالًا. يدلُّك على ذلك أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يكتفي من الناس بشهادة ألا إله إلا الله مع أنهم لم يكونوا يفهمون من كلمة (إله) إلا معنىً إجماليًّا لا يضمن ألَّا يشتبه عليهم، فلم يكونوا يعلمون أن من طاعة الرؤساء ما يكون تأليهًا لهم، وأن من طاعة الشيطان ما يكون تأليهًا له، وأن من اتِّباع الهوى ما هو تأليهٌ له، وأن من الطيرة وتعليق التمائم والقسم بغير الله