للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فيُحتمَل أن الملِك يجعل شفاعة ذلك الرجل شرطًا لقضاء الحاجة، فيقول له: لا أقضيها أوْ تشفع فيها، قلت: في إمكان هذا في حقِّ الله عزَّ وجلَّ نظرٌ، وعلى فرض وقوعه فالملائكة طيِّبون طاهرون لا يمتنعون من الشفاعة بعد أن يأذن الله تعالى لهم فيها.

فإن قيل: قد يتوقَّف الإذنُ بالشفاعة [٥٣٢] على التعرُّض للإذن، فيحتاج إلى سؤال الشفيع أن يتعرَّض، كما في حديث الشفاعة أنَّ الخلق يسألون النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فيذهب فيتعرَّض للإذن بالسجود والثناء على الله تعالى، فيأذن له فيشفع.

قلت: هذا صحيحٌ بالنسبة إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، فأمَّا الملائكة فلا.

أوَّلًا: لأن قوله تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧] يدلُّ أنهم لا يتعرَّضون أيضًا.

ثانيًا: أنه لا سلطان عندنا أن سؤال الشفاعة منهم يحملهم على التعرُّض لها.

ثالثًا: أن البشر في المحشر يُؤْتَوْن ضربًا من الاختيار، فيكون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اختيارٌ في أن يتعرَّض للشفاعة، فإذا سُئل ذلك فإنما سُئل أمرًا يقدر عليه باختياره. وأظهر من ذلك: أنَّ السؤال في المحشر من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم سؤالٌ من حاضرٍ مشاهَدٍ يُسْأَلُ منه ما يقدر عليه بمقتضى الحسِّ والمشاهدة، وليس كالسؤال من الملائكة في الدنيا؛ لأنهم غيبيُّون, كما مرَّ (١).

ومن الفرق أيضًا: أن الشرائع مبنيَّةٌ على أنَّ [٥٣٣] للبشر اختيارًا،


(١) انظر ص ٧٨٩ - ٧٩٠.