للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دور طاعةٍ محضةٍ، فهم كما قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٦ - ٢٧].

فسؤال البشر بعضهم بعضًا ما جرت العادة بقدرتهم عليه له معنىً؛ لأن لهم اختيارًا، ولا كذلك سؤال الملائكة.

ألا ترى لو أن ملِكًا جعل بيد بعض أتباعه مالًا، وقال له: فرِّقه على بعض المستحقِّين، ثم جعل مالًا بيد تابعٍ آخر، وقال له: لا تصرف منه فلسًا إلا إذا أمرتك، وقد علمنا أن هذا التابع لا يخالف متبوعه، فإن العاقل منَّا قد يسأل الأوَّل؛ لأنه مختارٌ، ولا يسأل الثاني.

وهكذا في الشفاعة، لو أن ملِكًا أذن لبعض أتباعه أن يشفع عنده للمستحقِّين، ومنع آخر أن يشفع لأحدٍ حتى يأمره الملِك أن يشفع له؛ لكان من المعقول أن تسأل الشفاعة من الأوَّل، وأما الثاني فلا؛ لأن الملِك متى أمره بالشفاعة فلا بدَّ أن يمتثل أمْر الملك فيشفع، [٥٣١] وأيضًا فإن الملك لن يأمر بالشفاعة إلا وقد أحبَّ قضاء تلك الحاجة، وإذ قد أحبَّ قضاءها فلا بدَّ أن يقضيها ولو لم تقع الشفاعة.

فأمَّا إذا قال الملِك لأحد أتباعه: (لا تشفع حتى آذن لك)، فإن قلنا: إن الإذن هنا بمعنى الأمر فكما تقدَّم، وإن قلنا: بل بمعنى أنه يقول له: (إن شئت فاشفع)، فقد يُقال: لا معنى للسؤال أيضًا؛ لأن الملِك لم يأذن بالشفاعة حتى أراد قضاء تلك الحاجة، وإنما أذن لهذا بالشفاعة إكرامًا له، فإن شفع فذلك قبولٌ للإكرام، وإن لم يشفع لم يمتنع الملِك من قضاء تلك الحاجة، مع أن هذا المأذون له إذا كان طاهر النفس لم يُحتمَل أن يأبى الشفاعة.