للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدَّمنا (١) أن كلَّ ما كان كذلك فهو عبادةٌ؛ فإن لم يُنزل الله تعالى سلطانًا بالأمر أو الإذن به فهو عبادةٌ لغيره.

وأمَّا سؤال الناس بعضهم من بعضٍ ما جرت العادة بقدرتهم عليه، فمنه ما لا تذلُّل فيه، ومنه ما كان فيه تذلُّلٌ ولكن لا يُطلَب به نفعٌ غيبيٌّ.

وإنما كان السؤال من الملائكة سؤالًا لنفعٍ غيبيٍّ؛ [٥٢٩] لأنهم غائبون عن حِسِّنا ومشاهدتنا، لا نشاهدهم، ولا نشاهد قدرتهم على النفع ومباشرتهم له كما يشاهد البشر بعضُهم بعضًا، فسواءٌ أكان المسؤول من الملائكة هو النفع بالفعل ــ كإنزال المطر مثلًا ــ أو مجرَّد النفع بالشفاعة؛ لأن البشر لا يدركون بالحسِّ والمشاهدة أنَّ الملائكة يسمعون دعاءهم، ولا أنَّهم يشفعون لمن دعاهم.

وهذا بخلاف سؤال الدعاء من الإنسان الحيِّ الحاضر؛ فإن الدعاء نفسه وإن كان نفعًا فليس غيبيًّا؛ لأننا ندرك بالحسِّ والمشاهدة أنَّ الإنسان الحيَّ الحاضر يسمع طلبنا ويدعو لنا إذا طلبنا منه الدعاء.

وها هنا فروقٌ أخرى بين سؤال الناس بعضهم من بعضٍ ما يدخل تحت قدرتهم وسؤال الملائكة، منها: ما تقدَّم (٢) في الكلام على قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] أن البشر لما كانوا في دور ابتلاءٍ وامتحانٍ منحهم الله تعالى شيئًا من الاختيار، فهم يستطيعون أن يعملوا ما أرادوه مما يدخل تحت قدرتِهم ولو كان معصيةً [٥٣٠] لله عزَّ وجلَّ، وأما الملائكة فهم في


(١) انظر ص ٧٣٢ - ٧٣٣.
(٢) انظر ص ٣٥٥.