للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلعلَّهم كانوا يقولون: إنَّه عزَّ وجلَّ لمحبته للملائكة لا بدَّ أن يقبل شفاعتهم برضاه؟ (١) ربما يدفعه اعترافهم بأنه عزَّ وجلَّ يجير ولا يجار عليه؛ فإن إطلاق "يجير" يشمل الملائكة بل إجارة الملائكة هي المقصودة بالذات في الآية، فإذا كانوا يعترفون بأنه سبحانه يجير من الملائكة لو فُرِضَ أنهم أرادوا إلحاق الضرر بأحد، فقد دلَّ هذا على اعترافهم بأنَّ الله تعالى ليس رَهْنَ إرادةِ الملائكة.

[س ١٢٦/ب] لِنَدَعْ هذا، فالظاهر أنهم كانوا يقولون: إن البارئ تعالى يقبل غالب شفاعة الملائكة برضاه، أما هذا فنعم، وهل هذا القَدْرُ باطل حتى نرى معظم محاجَّة البارئ تعالى لهم في القرآن مع كثرتها تدور على الشفاعة؟ ليس المحاجَّةُ في هذا وإنما هي في طمعهم في أنَّ الملائكة يشفعون لمن يعبدهم وأن الشفاعة تنفعهم، وقد تفنَّن القرآن في إبطال هذا الزعم، ويجمع الكلامَ على ذلك مرتبتان:

المرتبة الأولى: يُبيِّن سبحانه وتعالى أنَّ الملائكة لا يشفعون لهم، وذلك على درجات:

الأولى: أنهم لم يعبدوا الملائكة، وذلك لوجهين:

الأول: أنَّ عبادتهم في قصدهم موجَّهة بالذات إلى البنات الوهميّات، [س ١٢٧/أ] وهم وإن زعموا أنهنَّ هنَّ الملائكة فقد قامت الحجَّة بخلاف ذلك، وبعبارة أخرى: إنما يعبدون الملائكة بعنوان أنهم بنات الله، تعالى الله عن ذلك، بحيث لو اعترفوا أنهم ليسوا بنات الله لما عبدوهم، فالعبادة


(١) علامة الإستفهام وضعها المؤلف.