فقد قال منكرو الجهة: إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عذرها في ظنِّها أنَّ الله تعالى في السماء بجهلها، وضَعْف عقلها، وقلَّة علمها، ولم يُبَيِّنْ لها خطأها؛ لأنها لا استعداد لها لإدراك مثل هذه الحقيقة، أي أن الله تعالى ليس في جهة.
ومثبتو الجهة لا ينكرون العذر، ولكنَّهم يحتجُّون بالحديث؛ لأنَّ فيه قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: أين الله؟ ولأنه لو كان يعلم أنها مخطئة لبيَّن ذلك لمن حضر القصَّة من أصحابه أو على الأقلِّ لبعضهم؛ فإنه لا يجوز أن يُقال: إنهم جميعًا لم يكن لهم استعداد لإدراك الحقائق.
ومنها: أنه ثبت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قوله: «مَن حلف بغير الله فقد أشرك»، وثبت عنه أنه سمع بعض أصحابه يحلف بأبيه قبل أن يعلموا ما في ذلك، فنهاهم عن ذلك وعذرهم فيما صدر منهم قبل العلم.
وقد أشار البخاري في صحيحه إلى هذا المعنى فترجم بقوله:(باب مَن أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال)، ثم ترجم بعده:(باب مَن لم ير إكفار مَنْ قال ذلك متأوِّلًا أو جاهلًا)، وذكر في هذا الباب بعضَ الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الصحابة نسب غيره منهم إلى النفاق بتأويلٍ، وذكر آخِرَه حديث ابن عمر أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أدرك عمر بن الخطَّاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:«ألا إن الله ينهاكم عن الحلف بآبائكم» الحديث.
قال في الفتح:[٦٥٣]«وقصده بذكره هنا الإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه: «مَن حلف بغير الله فقد أشرك»، لكن لما كان حلف عمر بذلك قبل أن يسمع النهي كان معذورًا فيما صنع ... ».