للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يحكم النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم [٦٥٤] على أهل الفترة بالشرك والنار (١)، ولا يستثني أحدًا إلَّا مَن فارق شركهم، كزيد بن عمرو بن نفيل. ومَن حَقَّق النظر ربما يظهر له أنَّ كثيرًا منهم كانوا معذورين، ولكن ليس هناك بيان واضح؛ فلذلك حكم الشرعُ عليهم بالظاهر، وأَمْرُهُمْ عند الله موكولٌ إلى الله.

وقد جاء ما يدلُّ أنَّ أهل الفترة يُمْتَحَنُون يوم القيامة. قال الحافظ في الإصابة (٢) في ترجمة أبي طالب: «وورد (٣) من عدَّة طرقٍ في حقِّ الشيخ الهرِم، ومَن مات في الفترة، ومَن وُلِدَ أَكْمَهَ أَعْمَى أَصَمَّ، ومَن وُلِد مجنونًا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ، ونحو ذلك، وأنَّ كلًّا منهم يُدْلي بحجة، ويقول: لو عقلتُ أو ذكرت لآمنتُ، فتُرفع لهم نار، ويُقال لهم: ادخلوها، فمَن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومَن امتنع أُدْخِلَها كَرْهًا. هذا معنى ما ورد من ذلك (٤)، وقد جمعتُ طرقه في جزءٍ مفردٍ. ونحن نرجو أن يدخل


(١) ورد ذلك في عدَّة أحاديث، منها حديث ابن عمر: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان. فأين هو؟ قال: «في النار» قال فكأنه وجد من ذلك. فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشِّرْه بالنار» قال: فأسلم الأعرابي بعد. سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين، ١/ ٥٠١، ح ١٥٧٣. وصححه البوصيري في الزوائد ٢/ ٤٣. وروي من حديث سعد بن أبي وقاص، وهو أشبه. انظر: السلسلة الصحيحة رقم ١٨. والصواب أنه مرسل. انظر: علل ابن أبي حاتم ٥/ ٦٩٣.
(٢) الإصابة ط: دار هجر (١٢/ ٣٩٧ - ٣٩٨).
(٣) في الإصابة: «والحديث الأخير ورد».
(٤) ورد ذلك من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة أخرجه الإمام أحمد ٤/ ٢٤، وقال الهيثمي عن سنده: رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ٧/ ٤٣٧، وذكر الحافظ ابن كثير في الباب أحاديث أخرى، انظرها في تفسيره (٥/ ٥٠ - ٥٤) عند قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} في سورة الإسراء: ١٥.