للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت فضل اللسان العربي على لغات العجم، كلها مُسَلم، وأما عدم القدرة على نقله إلى شيء من الألسنة على أي وجه كان، ففيه نظر واضح، فقد ترجم جمع من أهل العلم واللسان القرآن الكريم بالفارسية، والهندية، والتركية (١) بل الانجريزية (٢) وغيرها من الألسنة وهي تؤدي معناه وتبين فحواه بلا شك، وإن لم تكن من استقصاء المعاني كلها ومراتب الفصاحة أو البلاغة جلها بمكان العربية.

ولسان الهنادكة في كتبهم القديمة التي يقال لها سنسكرت أوسع من جميع الألسنة لأن فيها صيغ المذكر، والمؤنث، والخنثى على حدة بخلاف العربية، فإنها ليست فيها صيغة للخنثى كما ليست في الفارسية صيغة للمؤنث نعم لسان العرب أفضل اللغات وأشرفها، وأجود الألسنة وأكملها بوجوه وخصائص توجد فيه، ولا توجد في غيره، وبعده لسان الفرس، وبعده لسان الهند المحدث من عساكر سلاطين الهند، وكان حدوثه عند مخالطة الفرس وغيرهم مع أهل الهند وغيرهم، وقد اشتمل على لغات الألسنة كلها، ووقع من القبول والشهرة بمكان عظيم، وهو سهل التناول والاستعمال لذيذ التكلم عذب الانتحال ليس بثقيل مثل لسان الأهاند، والنصارى (٣) ولا بخفيف ومهانٍ مثل لسان أهل البادية الجفاة، وفيه الشعر والنظم وكل الشيء من العلوم والفنون.

نعم طالع العرب رفيع حيث بعث خاتم الأنبياء (صللم) منهم، وهذا فضل عظيم وشرف جسيم لا يساويه شيء من المفاخر العليا، والمآثر الحسنى.

واختصت العرب بأشياء منها قَلْبُهم الحروف عن جهاتها، ليكون الثاني أخَفَّ من الأول، نحو قولهم: ميعاد، ولم يقولوا مِوْعاد، ومنها تركُهم الجَمْع بين الساكِنيْن، وقد يجتمع في لغة العَجَم ثلاث سواكن، ومنه قولهم: يا حَار مَيْلاً الى التَّخْفيف، ومنها اختلاسهم الحركات في مثل:

فاليوم أشْرَبْ غير مُسْتَحْقِب (٤)

ومنه الإدغام وتخفيف الكلمة بالحذف نحو: لم يكُ، ولم أُبَلْ، ومنها اضْمارهم الأفعال ومما لا يمكنُ نَقْلهُ البَتّة أوصاف السَّيْف والأسد، والرُّمح، وغير ذلك من الأسماء


(١) التركية سقط من ق.
(٢) في ق اللغات الافرنجية.
(٣) في ق الافرنج.
(٤) الكتاب: ٢/ ٢٩٧، الخصائص: ١/ ٧٤، شرح ديوان امرئ القيس لابي جعفر النحاس: ٨٥٠، في لسان العرب مادة (حقب) فاليوم أسْقى: ١/ ٦٧٩، عجزه: إثماً من الله ولا واغل.

<<  <   >  >>