للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المترادفة (٤٢/ ... ) ومَعْلوم أنّ العجم لا تعرف للأسد اسماً غير واحد، فأمّا نحن فُنَخرج له خمسين ومائة اسم (١).

وقال ابن خالويه: جمعت للأسد خمسمائة اسم، وللحية مأتين، وقد جمعَ حَمَزة الأصبهاني من أسماء الدواهي ما يزيد على أرْبَعمائة، وذَكَر أن تكاثُر أسماء الدَّواهي من الدَّواهي، ومن العجائب أن أمّة وَسَمتْ معنىً واحداً بِمئَين من الألفاظ (٢).

قال ابن فارس: فأين لسائر الأمم ما للْعرب؟ ومن ذا يُمكنُه أنْ يُعَبِّر عن قولهم: ذات الزُّمَيْن وكثْرَة ذاتِ اليد، ويَدَ الدَّهْر، وتَخَاوَصَت النُّجوم، ومَجَّت الشَّمْسُ ريَقَها، وذَرّ الفَيْء، ومَفاصلُ القَوْل، وأتى الأمر من فَصِّه، وهو رَحْبُ العَطَن، وغَمْرُ الرِّداء، وهو جُذَيْلُها المُحَكك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب، وما أشْبه هذا من بارع كلامهم، ومن الايماء اللّطيف، والإشارة الدّالّة، وما في كتاب الله تعالى من الخطاب العالي أكثر وأكثر، كقوله:

{وَلَكُمْ في القِصاصِ حَياة} (٣)، {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهم} (٤)، {وَأُخْرى لَمْ تَقْدِروا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللهُ بها} (٥)، {إنْ يَتَّبعُون إلاّ الظَّنَّ وإنَّ الظَّنَّ لا يُغني من الحَقّ شَيْئاً} (٦)، {إنَما بَغْيُكُم على أَنْفُسِكُم} (٧)، {ولا يُحيقُ المَكرُ السّيئ إلاّ بأَهْلِهِ} (٨) وهو أكثر من أن نأتي عليه، وللعرب بعد ذلك كلَم تلوح في أثناء كلامهم كالمصابيح في الدُّجى، كقولهم هذا أمر قاتم الأعماق، أسود النَّواحي وله قَدَم صِدقٍ، وذا أمر أنت أردتَه ودَبَّرتَه، وتقاذَفَتْ بنا النوى واشْتَفَّ (٩) الشراب، وأقبلت مَقاصِرُ الظّلام الى غير ذلك، وهذه كلمات من قُدْحةٍ واحدة، فكَيْف إذا جال الطّرْف في سائر الحروف مجاله؟ ولو تقصَّينا ذلك لجاوزنا الغَرَض، ولما حوته أجلادٌ.

واختصت العرب من العلوم الجليلة التي اختصت بها الإعرابُ الذي هو الفارقُ بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يُعرَف الخَبر الذي هو أصل الكلام، ولولاه ما مُيِّزَ فاعل من


(١) الصاحبي في فقه اللغة: ٤٣، المزهر: ١/ ٣٢٤،٣٢٥.
(٢) ينظر: فقه اللغة للثعالبي: ٢٠٠، نزهة الألباء في طبقات الأدباء: لأبي البركات الأنباري: ٣١٢، ينظر: المزهر: ١/ ٣٢٥.
(٣) البقرة / ١٧٩.
(٤) المنافقون / ٤.
(٥) الفتح / ٢١.
(٦) النجم / ٢٨.
(٧) يونس / ٢٣.
(٨) فاطر / ٤٣.
(٩) في الأصل استف والصواب ما أثبتناه، لسان العرب مادة (شفف): ٢/ ٣٣٥.

<<  <   >  >>