للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابعة: ما قاله الشيخ الخضري من أنّ ((جمع الجوامع)) عبارة عن جمع الأقوال المختلفة بعبارة لا تفيد قارئاً ولا سامعاً؛ منقوضة بأنّ التاج السبكي قد وضّح أنّه أراد جمع الأقوال في كتاب واحد وقد رتبها ترتيباً علمياً لبيان تطور الأقوال أولاً أو غرابة قول ثانياً، أو مخالفة قول ثالثا ً، أو وقوع غلط فيه رابعا، ومن يُنعِم النظر في ترتيب التاج السبكي للأقوال يقضي بأنّ جمعه الأقوال وترتيبها لم يأتي عبثاً وإنّما كان لغاية وهدف كما بيّنتُهُ، وفي ذلك يقول التاج السبكي: ((ولو أنّ الفَطِنَ تأمَّل صنيعي في هذا المجموع الصغير الذي سميته ((جمع الجوامع)) وجعلت اسمه عنواناً على معناه، وترتيبي الأقوال وقائليها والمسائل وفروعها والقائلين وتعديدَهم، واطَّلع على مغزايَ في ذلك لقضى العجب العجاب وعلم كيف أَمَطْنا القشر عن اللباب)) (١).

الخامسة: وأما الاعتراض بكون ((جمع الجوامع)) يخلو من الأدلة؛ فأمر عجيب ذلك أنّ هذا المتن شأنه الاختصار، فلو أكثر فيه من ذكر الأدلة لخرج عن حد الاختصار، ثمّ إنّ التاج السبكي إنّما أراد في هذا المتن وضع زُبدة علم الأصول بعد ما تقرّرت لديه، وأما الأدلة فقد ذكر التاج أدلة هذه المسائل كلها في كتبه الأخرى وبخاصة ((رفع الحاجب))، ولم يُرِد إعادتها في هذا المتن، ثمّ إنّ التاج قد بيّن لنا منهجه في ذلك واضحاً حيث يقول: ((فربما ذكرنا الأدلة في بعض الأحايين، إما لكونها مقرّرة في مشاهير الكتب على وجه لا يَبين أو لغرابة أو غير ذلك مما يستخرجه النظر المتين)) (٢).

ومن ثمّ فإنّي أقول: إنّ أمثال هذه المتون لا يعيبها عدم ذكر الأدلة، إذ أنّ ذكر الدليل إنّما هو لوظيفة الشارح ألصَقُ منه للماتن.

وبعد: فقد لاحَ بما ذكرتُهُ وَجهُ سقوط الدعوى المذكورة، وبقيَ ((جمع الجوامع)) سليماً عن هذه الاعتراضات، غنياً بالمعلومات يوفّر لطالب العلم الكثير من الوقت والجهد، وأما سبب صعوبته على الكثيرين فهو بسبب ضعف الهمم وقصور الفهم والابتعاد عن العلوم التي من شأنها أن تذلِّلَ هذه الصعاب، وعلى رأسها علم الكلام والمنطق اللذان يعينان كثيراً على عملية الفهم وكيفية التفكير السليم، وكذا علوم العربية وعلى رأسها علم البلاغة والنحو، فمن كانت لديه معرفة بهذه العلوم لا أظنه يَستصعبُ شيئاً من المتون العلمية المتقدمة من أمثال ((جمع الجوامع)) والله الموفق للصواب.


(١) التاج السبكي، منع الموانع ص ٣٦٩، وسيأتي مزيد بحث لهذه القضية في المنهج العام فانظره هناك
(٢) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ٢٠٣

<<  <   >  >>