للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا ويبرز موقف التاج السبكي من والده في النواحي الآتية:-

١ - في كثرة النقل عنه والإطالة فيها كما ذكرت آنفا.

٢ - في موافقته له في أغلب آرائه واختياراته ومن ذلك قوله في مقدمة الواجب: ((والحق عندنا وهو اختيار الشيخ الإمام وعليه الأكثر وجوبه مطلقا شرطا وغير شرط مما يلزم فعله عقلا كترك الأضداد في الواجب وفعل ضد في المحرم، وعادة نحو غسل جزء من الرأس لتحقق غسل الوجه كله.)) (١)

وقوله في مسألة التكليف: ((لا تكليف إلا بفعل، فالمكلف به في النهي الكف، أي الانتهاء وفاقا للشيخ الإمام.)) (٢)

وقوله في بيان القراءة الشاذة: ((والصحيح أنه ما وراء العشرة وفاقا للبغوي والشيخ الإمام.)) (٣)

٣ - ذكره لآراء والده لتقوية آراء الآخرين بها وقد نص التاج السبكي على ذلك فقال: ((فائدة التصريح بالوالد وإن خالفناه، تقوية مذهب الجمهور به، فلا يخفى أنه إمام المتأخرين عرباً وعجماً نقلاً وبحثاً حفظاً وفهما، في كل علم.)) (٤)

وقال بعد نقله كلاما لوالده مفاده أن الحصر ليس هو التخصيص: ((هذا مختصر من كلام الشيخ الإمام رحمه الله، وحاصله: منع أن التخصيص الحصر، والقول بأن الحصر إنما يكون في بعض المواضع، وقد قدمت نحوه اختيارا لي، وإنما أردت الاعتضاد بكلام شيخ الإسلام في زمانه رحمه الله.)) (٥)

٤ - مناقشته لوالده في بعض القضايا واختيار ما يخالفه: رغم أن التاج السبكي كان يوافق والده في أكثر المسائل إلا أنه في بعض الأحيان كان يخرج عن ذلك ويناقش والده ويرد عليه، ولكن في الأغلب كانت مناقشاته له هادئة جدا لا تشعر فيها بالقسوة الني كان يناقش فيها من كان يخالف الشافعي أو إمام الحرمين مثلا، وما هذا إلا لحق الأبوة التي بينهما ومن باب البر المأمور به، وهذه المناقشات فيها دلالة واضحة على موضوعية التاج السبكي، والتزامه بالحق وإن كان فيه خلاف لوالده. ومن الشواهد الدالة على ذلك:-

قوله في مسألة الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة بالواو: ((وقال أبي تغمده الله برحمته: نعم ذكر البيانيون أن ترك العطف قد يكون لكمال الارتباط، فإذا كان في مثل ذلك فلا يبعد مجيء الخلاف فيه [قال التاج السبكي]: قلت: بل قد يقال: العود فيه إلى الجميع أولى لأنه إنما ترك العطف لكمال الارتباط فليقع الاشتراك في الحكم كذلك والكلام فيما وراء هذه الحالة لندورها.)) (٦)

فانظر كيف رد قول والده هنا ولكنه أتى بالرد بصيغة التضعيف المنسوبة للمجهول وذلك تأدبا منه رحمه الله تعالى.


(١) التاج السبكي، رفع الحاجب (١/ ٥٣١)
(٢) التاج السبكي، جمع الجوامع ص ١٣٠
(٣) المصدر السابق ص ١٣١
(٤) التاج السبكي، منع الموانع ص ٤٦٧
(٥) التاج السبكي، رفع الحاجب (٤/ ٢٦)
(٦) التاج السبكي، رفع الحاجب (٣/ ٢٧٩)

<<  <   >  >>