للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[كلمة أخيرة]

بعد استعراضنا لكتاب ((الإبهاج)) وتِجْوالنا بين حدائقه العطرة واطِّلاعنا على شخصية أصولية فذَّة قلَّما يجود الزمان بمثلها أقول: بالرغم من كل ما استعرضناه من مميزات ((للإبهاج)) وصفات تجعله في مقدمة شروح ((المنهاج)) إلا أنّ ((الإبهاج)) لا زال بحاجة ماسّة إلى مزيد من العناية لإبراز رونقه ووجهه الوضّاء، فقد طُبع ((الإبهاج)) عدّة طبعات إلا أنّه ومع الأسف الشديد لم تحظَ هذه الطبعات بالعناية الكافية، فتجد فيها الكثير من الأخطاء والسَّقْط الذي يُخلّ بالمعنى مما جعل أهل العلم يَنْفِرون منه ويبتعدون عنه لعدم فَهْم كثير من عباراته بسبب سوء الترقيم والتشكيل مع الأخطاء الكثيرة والسَّقطات الفاضحة، لذا فهذه دعوةٌ إلى المشتغلين بأصول الفقه أن يَلْتَفِتوا إلى ((الإبهاج)) ويعطوه بعض جُهدهم لإخراجه إلى النور بتحقيقٍ عِلميٍّ رصين يَسدُّ كل الثغرات السابقة في مثل تلك الطبعات، يسّرَ الله تعالى ذلك ليعود ((الإبهاج)) ويحتل مكانته التي يستحقُّها.

المبحث الثاني

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

يعدّ ((رفعُ الحاجب عن مختصر ابن الحاجب)) المصنَّف الرابع للتاج السبكي في أصول الفقه، حيث انتهى التاج السبكي من تصنيفه سنة ٧٥٩ هـ (١)، في حين انتهى من ((الإبهاج)) الكتاب الأول له سنة ٧٥٢ هـ، ويصرّح التاج السبكي في هذا الشرح بالنقل عن كتابين آخرين له في أصول الفقه الأول أسماه ((التعليقة)) والثاني أطلق عليه اسم ((الشرح الكبير)) فيكون ((رفع الحاجب)) هو الكتاب الرابع له في هذا الفن.

و ((لرفع الحاجب)) هذا عند التاج السبكي قصة، وذلك أنّه قد وَعَدَ بهذا الشرح في نهاية شرحه ((للمنهاج)) حين قال: ((وفي عزمي والله الميسِّر أن أضعَ شرحاً على ((مختصر ابن الحاجب)) بسيطا؛ لا عُذر لي إذا لم آت فيه بالعجب العجاب، محيطاً بهذا العلم على أتمّ وجه، لا أميط عنه إلا القشر عن اللباب.)) (٢)

وكان والده الشيخ تقي الدين قد شرع في وضع شرح على ((المختصر))، فبدأ فيه فعمل منه نحو كراسة واحدة، وقد وَسَمه باسم ((رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب)) غير أنّه لم يتمّه، ولم يطّلع عليه التاج السبكي، لذا وضع هذا الشرح وسمّاه باسم ((رفع الحاجب)) تبرُّكاً بصنيع والده. (٣)


(١) التاج السبكي، رفع الحاجب (٤/ ٦٤٩)
(٢) التاج السبكي، الإبهاج (٣/ ٢٧٥)
(٣) التاج السبكي، طبقات الشافعية (١٠/ ٣٠٧ وما بعدها) قلت: ذكر التاج السبكي شرح المختصر لوالده في منع الموانع ونقل عنه أيضاً، مع أنه قد ذكر في الطبقات وفي رفع الحاجب أنه لم يطلع عليه، ولعله قد وجد هذه الكراسة بعدما أتم شرحه على المختصر والطبقات، وأما ما قاله محقق منع الموانع من أنه ربما سمعه سماعا؛ فإنه مستبعد ولا وجه له عندي، كيف وقد نص التاج على أنه نقل من نص القطعة، ولو كان ذلك سماعا لما جاز له ذلك. انظر: منع الموانع ص ٤٩٢، ٤٩٥

<<  <   >  >>